الملحق الثقافي- دلال ابراهيم:
خلال استطلاع أجرته صحيفة Libération الفرنسية توجهت فيه بسؤال سوريالي إلى 400 كاتب في مختلف أصقاع العالم. أو جمعتها من أقوال لكتّاب أدلوا بها سابقاً.. وكان السؤال الموجه هو: لماذا تكتب ؟ يقول معدا الاستطلاع جان فرانسوا فوغل ودانييل روندو، أنهما ومن خلال إلقاء النظرة الأولية على نتائج الاستطلاع «لاحظنا أن الإجابات كانت متساوية مع عدد المجيبين»، ولكنها جميعها كانت مختصرة.. مثل « أكتب لأنني لا أعرف أن أعمل أي شيء آخر، وأود القول أنه لا يوجد أي عذر للكتابة، وهو في الواقع عدم القدرة على عمل أي شيء خلاف ذلك» أو»أستسلم دائماً لهذا الدافع العاطفي المتحمس الذي ربما يكون هو المحرض» أو « إنه الفعل الطبيعي وغير الطبيعي هو ألا تخضع لتلك الرغبة ..» بينما يدعي الكاتب خورخي أمادو «أكتب لكي أقرأ، لكي يكون لي تأثير على الناس، وبالتالي للمساهمة في تعديل واقع بلدي «.
ومن أبرز الأجوبة التي عثروا عليها كانت إجابة الكاتب موريس لوبلان، الروائي الفرنسي الذي كتب في الأدب البوليسي وهو مخترع شخصية أرسين لوبين : «كل صباح نأخذ القلم لأننا لم نعد قادرين على فعل شيء آخر، في ظل مشاعر من عدم الارتياح والقلق والندم.. أنت هنا في مواجهة ذاتك.. وفي نفس الوقت ثمة التزام أخلاقي وضرورة جسدية.. وبالتالي فإن صحتنا الذهنية والجسدية، وكذلك توازن نظامنا العصبي، يقتضي قيامنا بمهمتنا اليومية تلك، والتي يعتقد كل منا أنه منذور لها لأدائها بكل إخلاص « بينما يؤكد الكاتب البلجيكي جورج سيمينون المتوفي عام 1989 والذي يعتبر أكثر الكتاب غزارة بالإنتاج الأدبي «أكتب لأنني منذ طفولتي شعرت بالحاجة إلى التعبير عن نفسي وأشعر بعدم الارتياح عندما لا أفعل ذلك».. أما الكاتب الانكليزي غراهام غرين المتوفي عام 1991 يختصر الإجابة بقوله «بحكم الضرورة» مستطرداً القول « عندما يكون لدي دملة ، أقوم بعصرها حالماً، وهكذا الكتابة « إنها مرض مزمن للغاية « ويرى إسحاق أسيموف، الكاتب الأميركي الذي اشتهر بأدب الخيال العلمي، والمتوفي في عام 1991 أن هذا سؤال حيوي : «أكتب لنفس السبب الذي أتنفسه، لأنني إذا لم أفعل ذلك، فسوف أموت. »
وهذه الإجابة تتقاطع مع إجابة جاءت في سياق حديث للكاتب البيروفي ماريو فارغاي يوسا مع صحيفة باريس ريفيو اعترف فيه قائلاً « أنا أكتب لأنني تعيس.. ولأن الكتابة هي الوسيلة لمحاربة التعاسة.»
وجاء حديثه مع الصحيفة المذكورة بمناسبة احتفاله بعيد ميلاده الثمانين، معترفاً إنّ كل تلك السنوات لم تقتل فيه حبّه للمعرفة، ولا روح المغامرة عنده، وإنه كان دائماً يشعر بالحزن على هؤلاء الأشخاص الذين يقتلون أنفسهم وهم على قيد الحياة، ويجلسون في انتظار الموت .. وقال في السياق نفسه: «لا أستطيع أن أستوعب أن أعيش الحياة من دون أن أكتب، وأن أواجه، وأقاوم حتى لا أتحوّل إلى مجسّمٍ أو تمثال».
ويعتبر الكاتب البريطاني جورج أورويل، صاحب الرواية الأشهر 1984 أن» الأنا هي المحرك القوي للكتابة لدى غالبية الأدباء بمختلف ألوانهم « هذا ما جاء في رده على السؤال « لماذا تكتب؟ « محدداً أربعة دوافع رئيسية هي التي تحث الكاتب على امتشاق قلمه، وهذه الدوافع تختلف بين كاتب وآخر، ويمكن أن تتواجد مع بعضها بنسب مختلفة حسب كل كاتب.. ممكن أن يلجأ البعض من الكتّاب للكتابة لمجرد أن يبدو ذكياً، وليجذبوا الأنظار إليهم أو ليخلدوا من خلال أعمالهم.. هذه الدوافع – وفق وجهة نظره – هي القواسم المشتركة بين المؤلفين وبين فنانين آخرين، وكذلك العلماء, ورجال السياسة وجميع أولئك الذين يشكلون ( الطبقات العليا من المجتمع ) ويقول «إن الغالبية العظمى من الناس تفقد فرديتها بعد سن الثلاثين, ولا تعد تعيش من أجل ذاتها، بل من أجل الآخرين.. لكن ثمة أقلية من الأشخاص الأحرار والمصممين على العيش وفقاً لطموحاتهم الخاصة.. والكتّاب ينتمون إلى هذه الفئات.»
وتنشأ الدوافع الجمالية لدى الكاتب من خلال بحثه عن الجمال, سواء أكان في تصوره للعالم, أو ترتيبه للكلمات أو حتى إيقاع السرد الجميل.. ويشير أورويل أن هذا الطموح هو الذي يقود بشكل جزئي جميع الكتّاب.. إذ لا يخلو أي كتاب من اعتبارات جمالية.
ويلخص جورج أورويل هذا الدافع بالرغبة في رؤية الأشياء ونقلها كما هي.. ثم يضع الكاتب نفسه في المنطق التأريخي.
ووفق ما يراه « إن الرغبة في دفع العالم في اتجاه معين هي في حد ذاتها طموح وحافز لكثير من المؤلفين.. وجميع الكتابات لها أبعاد سياسية.. وفكرة أن الفن لا يجب أن يكون له أي علاقة بالسياسة هي في حد ذاتها موقف سياسي.
ويعترف أورويل بأن طبيعته تدفعه إلى تفضيل المصادر الثلاثة الأولى للدوافع.. ولو كانت حياته مختلفة، لما صار كاتبًا سياسيًا. حيث عاش سنينه الأولى لدى شرطة الأمبراطورية البريطانية في الهند، وبورما، وهذه الفترة منحته بعض المعرفة والفهم للطبيعة الاستعمارية.. ومن ثم عزز سنوات الفقر التي عاشها إلى جانب إحساسه بالفشل كراهيته للسلطات وإدراكه لوجود طبقات عاملة.. ورغم ذلك، هذا كله لم يجعل منه كاتباً سياسياً.. ولكن ما فرض عليه هذا الاتجاه هو الحرب الأهلية في اسبانيا وحكم هتلر والفترة المظلمة التي عاشها.»
وأفضل ما باحت به الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي في توصيفها فعل الكتابة ودوافعها «الكتابة بوح صامت، وجع لاصوت له، لكننا ننفضح دومًا به، ننسى أن الحبر لايكتم سرًا، وأضافت مخيفة هي الكتابة؛ لأنها دائمًا تأخذ لنا موعدًا مع كل الأشياء التي نخاف أن نواجهها أو نتعمق في فهمها».
العدد 1129 – 24-1-2023