خلق حياة من لاحياة

الملحق الثقافي-لينــا كيــلاني:
يسألني محدثي لماذا نكتب، وما جدوى الكتابة، ولماذا تكتبين؟؟
سؤال مستفز لمن اختارته الكتابة قبل أن يختارها.. هذا هو حالي معها عندما اختارتني، ولم أكن عند ذاك قد سرت في درب العمر إلا سنوات ليست بالكثيرة، إذ هي تأخذني إليها، تستلبني، تجعلني أذوب كالشمعة بين حروفها، وأنا أتحسس نبض قلبي عند كل رصفٍ لعبارة.
تسألني لماذا نكتب؟ فأقول لأن الكتابة نسغ حياة.. والكتابة على أشكالها تحفظ ذاكرتنا، وإرثنا الإنساني من أن يضيع، أو أن يندثر.. إنها المرآة التي تعكس ما يختلج في النفس، ويدور في العقل، وصلة التواصل مع الآخر.
الكتابة خلق، وإبداع، وخيال.. فالروائي مثلا يخلق شخوصاً لروايته، ويرسم لها حياة، وأقداراً تسير بها نحو مصائرها.. أناس من كلمات تصبح لهم أرواحاً.. تكاد تلتقيهم في الحياة، أو تشعر أنك تعرفهم.. وهم يتحركون من حول الكاتب، يراهم، ويسمع أصواتهم، وقد يبكي عندما يفارقهم مع آخر سطر من رواية، أو قصة، لأن حضورهم في حياته كأناس حقيقيين قد انتهى، وسيصبحون مجرد ظلال تتحرك على الورق، ليبدأ من جديد رحلة جديدة مع غيرهم. والكاتب ما إن يخطو خطوة واحدة داخل النص حتى يصبح كائناً آخر قد يصبح غيمة، أو مطراً، أو معطف عاشق على كتف محبوبته.
ليست الكتابة مجرد سرد قصة، أو رواية، أو ما شابه، وإنما هي خلق حياة من لا حياة.. أو أنها دروب مزهرة يمشي فيها الكاتب ممسكاً بيد قارئه.. وكلما كانت تلك الكتابة عفوية لا تكلّف فيها وصلت نبضاتها إلى قارئها. إنها ذلك الهاجس الذي يرافق الكاتب في صحوه، ونومه، وكل دقائق يومه.. وقد تستعصي عليه أحياناً، ويجد نفسه خواءً من الداخل فيصمت، لكن صمته في حد ذاته يكون اختزاناً لأحداث، وأفكار، ورؤى يخبؤها في صندوق كنوزه ليخرج بها فجأة عندما يرمي بصمته، ويطلق صوته من جديد.
وقراءات الطفولة، والشباب تسعف كثيراً في التعبير عن الذات، وفي أن يختار المرء أن يكون كاتباً إلا أن لذلك الأمر شرط موهبة ليتحقق، ولو أن هناك من لا يتهيب الكلمة ليتاجر بها.. إذ ليست كل كتابة هي ما تستحق أن تخرج إلى النور، والعلن، وما أكثر الكتابات المجانية، والأخرى التي يخلدها الزمن. فالإنسان يدون كل شيء، والذاكرة مهما تفوقت، واتسعت لا تستطيع أن تحتفظ بكامل ما يخزن بها، وعلى مسار القرون ظل الإنسان يفعل حتى وصل إلى زمن المدونات الإلكترونية لانهائية السعة.
ومن مآزق الكتابة أن المرء يظل حائراً لفترة ما مع سؤاله: هل أنا كاتب حقاً.. إلى أن يعثر على الجواب مع أول إنتاج له من خلال القارئ، والناقد، والأصداء التي تتردد من حوله.
بالكتابة تصبح الحياة ملونة، ولا تعود بالأبيض، والأسود فقط.. وحتى لا تجف الروح يبقى ندى الكلمات ما ينعشها.. بها نكتشف ذواتنا لأنها هي حوار مع الذات، ومع الآخر.. إنها الجسور التي تصل بين كائنات الوجود.. ونسيجها الكلمة المحملة بالفكرة كالسهم الذي ينطلق من قوسه ليصل إلى هدفه.. وبعد أن كانت الأفكار، والقصص تنطلق شفاهاً جاءت الكلمة المكتوبة لتصبح الكتابة حباً متبادلاً بين طرفين هما قارئ، وكاتب، وما بينهما حبل موصول من القلب إلى القلب.
وما الكتابة الأدبية والإبداعية سوى أفق متسع لا حدود له للتعبير عن النفس، والجوهر.. بل هي حاجة إنسانية لا يمكن إلغاؤها، أو مقاومتها.. وكثير من الناس مَنْ يشعر بالرغبة بالكتابة ليعبّر عن نفسه، والدوافع تختلف بين شخص وآخر، ولكلٍ مبرراته حيالها.. وبينما هناك مَنْ يكتب، وينشر، فإن أغلب الناس يخبئون ما يكتبونه في الأدراج لأنهم يعتبرونه من عوالمهم الخاصة التي لا يجوز أن يطلع عليها أحد، أو أنه لا يرقى لمستوى نشره للعلن إذ لا جدوى منه.
وتظل الكتابة هي التعبير عن الشعور، وعن الفكر بآنٍ، وهي متعة متفردة بحد ذاتها لا يشعر بها إلا صاحبها.

العدد 1129 – 24-1-2023

آخر الأخبار
تحية لأبطال خطوط النار.. رجال الإطفاء يصنعون المعجزات في مواجهة حرائق اللاذقية غابات الساحل تحترق... نار تلتهم الشجر والحجر والدفاع المدني يبذل جهوداً كبيرة "نَفَس" تنطلق من تحت الرماد.. استجابة عاجلة لحرائق الساحل السوري أردوغان: وحدة سوريا أولوية لتركيا.. ورفع العقوبات يفتح أبواب التنمية والتعاون مفتي لبنان في دمشق.. انفتاح يؤسس لعلاقة جديدة بين بيروت ودمشق بريطانيا تُطلق مرحلة جديدة في العلاقات مع دمشق وتعلن عن دعم إنساني إضافي معلمو إدلب يحتجون و" التربية"  تطمئن وتؤكد استمرار صرف رواتبهم بالدولار دخل ونفقات الأسرة بمسح وطني شامل  حركة نشطة يشهدها مركز حدود نصيب زراعة الموز في طرطوس بين التحديات ومنافسة المستورد... فهل تستمر؟ النحاس لـ"الثورة": الهوية البصرية تعكس تطلعات السوريين برسم وطن الحرية  الجفاف والاحتلال الإسرائيلي يهددان الزراعة في جنوب سوريا أطفال مشردون ومدمنون وحوامل.. ظواهر صادمة في الشارع تهدّد أطفال سوريا صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار سلل غذائية للأسر العائدة والأكثر حاجة في حلب