الثورة – عبد الحميد غانم:
بعد أحد عشر شهراً على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، من الواضح أن التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية قد تغيرت أحواله ولم تعد كما كانت قبل تلك العملية، إذ تفاجأت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف الأطلسي (الناتو) بتداعيات سياسات التوسع شرقاً للناتو.
فالولايات المتحدة لم تعد قادرة على الحفاظ على هيمنتها العالمية بالوسائل الاقتصادية أو السياسية وحدها، وهو ما استقرت عليه النخب الغربية بعد تحليل ونقاش شامل لحالة الحرب في أوكرانيا، وصارت تحذر من المخاطر التي تنتظر حكوماتها وشعوبها، وتحذر من مسار الصراع المتجه نحو تقسيم العالم إلى كتل متحاربة لمواصلة الحرب ضد روسيا والصين.
بعد 11 شهراً من الحرب المستمرة في أوكرانيا، أصبح التحالف الغربي المدعوم من الولايات المتحدة في وضع أسوأ مما كان عليه عندما بدأ، إضافة إلى حقيقة أن العقوبات الاقتصادية أثرت بشدة على أقرب الحلفاء الأوروبيين لواشنطن، فقد أدت السيطرة الغربية على أوكرانيا إلى إغراق اقتصادها في ركود طويل الأمد، ودمرت الكثير من بنيتها التحتية الحيوية، وقضت على جزء كبير من الجيش الأوكراني.
والأهم من ذلك، أن القوات الأوكرانية تعاني الآن من خسائر لا يمكن تحملها في ساحة المعركة، ما يمهد الطريق لانهيار الدولة الذي بات لا مفر منه. ومهما كانت نتيجة الصراع، هناك شيء واحد مؤكد أن أوكرانيا لن تكون موجودة كدولة قابلة للحياة ومستقلة.
لقد أدت العقوبات الاقتصادية إلى نتائج عكسية، إذ عززت بالفعل الوضع الاقتصادي لروسيا، كما أن الغربيين لم يتوقعوا أن الغالبية العظمى من البلدان لن تتجاهل عقوباتهم فحسب، بل اكتشفوا بشكل استباقي خيارات إسقاط الدولار في المعاملات التجارية الدولية لاسيما في بيع الموارد الحيوية.
ما هو واضح أن البنتاغون لم يدرك أبداً تداعيات هذه الحرب التي أشعلتها سياسات الغرب وأميركا كما تتكشف حالياً، وإلا، كيف نفسر هذه الأخطاء الصارخة في القرار الغربي الأميركي بشن تلك الحرب والتوسع شرقاً وإغراء نظام كييف النازي بخوض معركة لم يحسب حساباً حقيقياً لنتائجها.
على الأغلب ووفق كل الدلائل التي يخرج بها المحللون، وخصوصاً الغربيين منهم، أن حكوماتهم ومسؤوليهم لم يعتقدوا قط أن العقوبات سوف تأتي بنتائج عكسية، كما أنهم لم يعتقدوا أبداً أن بنادقهم وأسلحتهم من الذخيرة ستنفد، وأن عائدات النفط الروسية سترتفع بشكل كبير، ولم يعتقدوا أبداً أن غالبية الدول ستحافظ على علاقات طبيعية مع روسيا، وأنهم سيحتاجون إلى إستراتيجية عسكرية متماسكة لشن حرب برية في أوروبا الشرقية.
الشيء المؤكد أن مستوى عدم الكفاءة في التخطيط الغربي لهذه الحرب يتجاوز أي شيء رأيناه من قبل، ويبدو أن كل استعداداتهم كانت تركز على إشعال هذه الحرب، دون الأخذ بعين الاهتمام بما ستؤول إليه نتائجها وكوارثها وتداعياتها على المنطقة والعالم وعلى دولهم.
ومع ذلك لا تزال وسائل الإعلام الغربية تبالغ في تقدير وتأثير الهجمات الأوكرانية المحدودة، وتتماهى عن حقيقة تؤكد أن الأوكرانيين يخسرون الحرب، وأن الروس يكسبونها.
ومهما ضخ الغرب والولايات المتحدة المزيد من السلاح والذخائر والطائرات والغواصات، فالسلاح وحده لن يغير نتيجة الحرب، فما يجري على الأرض يثبت أنه لا يوجد دليل على أن الغرب قد حدد أهدافاً إستراتيجية واضحة، التي لا تزال غامضة وغير محددة المعالم.
إن إضعاف روسيا كما يريد الغرب، ليس إستراتيجية عسكرية متماسكة. إنه في الواقع، مجرد أوهام وخيال يغذيه المحافظون الجدد المتحاربون الذين يؤثرون على القرار السياسي والعسكري باتخاذ الحرب.
هذه هي عقدة الغرب وأميركا في شن الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تشعل الولايات المتحدة الحروب على أراض غير أرضها منذ فيتنام وحتى الآن في أوكرانيا، وقبلها في أفغانستان ثم العراق. ولم تضع أميركا عبر حروبها إستراتيجية واضحة وواقعية، بل اعتمدت على الأكاذيب والأضاليل الإعلامية، فكانت النتائج كارثية على العالم.
واليوم في ضوء الحرب بأوكرانيا، نجد الغرب وأميركا وأوروبا المسلوبة القرار في ورطة حقيقية، لأن هذه السياسة في أيدي أناس خياليين مشوشين. هل يعتقد أحد أن الجيش الأوكراني سوف يستعيد الأراضي في شرق أوكرانيا التي حررتها روسيا؟.
يستمر الوهم الغربي بأن الأوكرانيين سينتصرون، حتى مع تزايد الخسائر وفرار ملايين الأوكرانيين من البلاد، فمن يصدق هذه الأوهام من الأوروبيين أو الأميركيين الذين بدؤوا ينفرون من ممارسات سياسييهم ومسؤوليهم.
