الثورة – عبد الحليم سعود:
يوماً بعد يوم تتعقد الأزمة الأوكرانية، وتشتد نيران الحرب ضراوة وشراسة وذلك بفعل التدخلات الأميركية والغربية التي تحاول استنزاف روسيا وجرِّها للقبول بالشروط الأطلسية، ولاسيما تجاهل تمدد الحلف على تخوم الحدود الروسية، وبما يهدِّد الأمن القومي والوجود الروسي عموماً، وفرض المشيئة الأميركية على ما تبقى من دول ذات سيادة في عالم اليوم.
من الواضح أن آخر هموم الولايات المتحدة هي عودة السلام إلى هذه المنطقة المهمة من العالم، وهذا ما يفسر قيامها وقيام حلفائها – رغماً عنهم أحياناً – بإمداد نظام كييف بما يحتاجه من الأسلحة الحديثة والمتطورة التي لا تمكنه من الانتصار بقدر ما تؤمن ديمومة المعركة إلى أجل غير مسمى، فالغاية هي إضعاف الجميع – حلفاء وخصوم – لمصلحة بقاء واشنطن الطرف الأقوى والمهيمن على الساحة العالمية.
فإضافة إلى البعد الاستراتيجي الذي تنشده واشنطن من هذه الحرب وهو إخضاع وإضعاف روسيا، ومنعها من التفكير نهائياً بتطوير وإعادة إنتاج عالم جديد متعدد الأقطاب، فإن شركات السلاح الأميركية ترى في تسعير نيران الحرب في كل مكان من العالم وخاصة في أوكرانيا – التي تعتبر البؤرة الأخطر على السلام العالمي – مصلحة إستراتيجية لها، فالحرب تضمن لها عقد المزيد من صفقات السلاح الباهظة وتشغيل مصانعها في العديد من دول العالم بطاقتها القصوى، وهو ما يدر عليها تريليونات الدولارات، حالها كحال شركات ومعامل الأدوية الأميركية التي تساهم بنشر الأوبئة والأمراض المعدية عبر العالم من أجل انتهاز الفرصة وبيع العقاقير واللقاحات المعدة سلفاً لمعالجة هذه الأمراض، وقد برهنت أزمة كورونا على هذا النهج الأميركي المتأصل في ابتزاز العالم واستغلال أزماته ومشكلاته.
لقد كشفت الحرب الأوكرانية ميلاً أميركياً غير مسبوق لتدمير وقتل السلام في شرق أوروبا، رغم أن حلفاءها الأوروبيين في الناتو هم أكثر المتضررين من أي تطورات غير محسوبة في هذه الحرب، ولعل أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا الغربية حالياً هي إحدى النتائج والتداعيات التي تمخضت عنها الحرب في عامها الأول، ولولا اكتشاف الجيش الروسي للمعامل البيولوجية الأميركية في شرق أوكرانيا وتحييدها لكان للحرب تداعيات أكثر خطورة على أمن روسيا وأوروبا على السواء، كما يضاف إلى ذلك الاستفزازات الأوكرانية على تخوم محطة زابورجيه النووية، والتي تعد من أخطر استفزازات الحرب وأشدها خطورة على مستقبل القارة العجوز.
اليوم تسعى واشنطن وشركاتها لبيع مختلف صنوف الأسلحة المتطورة لنظام زيلينسكي ولاسيما سلاح الدبابات وصواريخ الدفاع الجوي كي يبقى على عناده في رفض الحلول السياسية التي تفضي للسلام مع روسيا، وقد تحول الأخير إلى ألعوبة في أيدي صناع القرار في البيت الأبيض يحركونه كيفما يشاؤون، حيث بات يعتقد نفسه بطلاً قومياً، وهو في الحقيقة مجرد أداة يتم تحريكها بدهاء وخبث لتدمير أوكرانيا والسيطرة عليها لاحقاً بقروض ومساعدات صندوق النقد الدولي تحت عناوين إعادة الإعمار وما إلى ذلك من عناوين أخرى، بعد أن تكون شركات السلاح قد ملأت خزائنها، وأعطت المجال لبقية الشركات الأميركية التي تستغل الحروب والأزمات العالمية.
