لا أظن أن الأمر يجب أن ينتهي عند عبارة “في ذمة الله” بعد أن شهدت الساحة الثقافية في الآونة الأخيرة رحيل العديد من المبدعين الكبار على صعيد الفنون كافة، الأدبية منها والفكرية والفنية والتشكيلية، بعد مسيرة حافلة بالعطاء، وجهود كبيرة بذلها المبدع من أجل تحقيق منجز إبداعي يقدم خدمة للمجتمع وأبنائه أولاً، وللإنسانية بشكل عام ثانياً.
وفي وطن يكرم المبدعون فيه يبدو من البدهي أن يكرم المبدع بعد وفاته إن كان عن طريق جمع إرثه الإبداعي وإعادة طباعته وتعريف الأجيال بهذا الإرث الذي استهلك عمراً طويلاً من البحث والتفكر والجهد حتى رأى النور، ووضعه في متناول الباحثين والدارسين، أو إطلاق اسم المبدع على أحد الشوارع في مسقط رأسه لتخليد ذكراه والاعتراف بدوره في الأوساط الثقافية والمجتمعية.
أو يمكن إطلاق اسمه على قاعة في جامعة، أو تخصيص جائزة باسمه، فلا يكفي أن نقيم لهم مجالس العزاء وتقديم كلمات الوداع وقصائد الرثاء، لأنهم يشكلون ذاكرة جمعية، فهم الشهداء على العصر، تضمخت أقلامهم بهموم الوطن وقضاياه، فكانوا بحق ذاكرة مجتمع وفخر أمة.
ولا يختلف اثنان على أهمية صناعة القدوة في المجتمعات، وخصوصاً في زمن نعيش فيه غزواً ثقافياً ومجتمعياً وقيمياً عبر فضاءات وسماءات مفتوحة تدس السم في الدسم، فمن الأهمية بمكان خلق القدوة الوطنية بدل أن يتوجه أبناؤنا إلى قدوات غربية ربما لا تشكل في عالمنا إلا فقاعة صابون تزول عند أول هبوب للرياح، ولكن وللأسف كثير من هذا الجيل يسحره بريق الغرب وصيحاته، ويشعر بالانتماء إليه في غفلة منه وغفلة منا.
فالتكريم بلا شك يعزز روح المواطنة والانتماء والولاء عند الأجيال من جهة، ويخلق لديهم حافزاً معنوياً قوياً للوقوف إلى جانب الوطن في محنته ثانياً.
رحم الله كبارنا من الأدباء والمفكرين والفنانين، وسيبقى ذكرهم منارة تنير للأجيال أفق الحياة الأرحب، وترسم خطواتهم على دروب المستقبل المشرق.