الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
لا يبدو أن أدب الاعترافات منتج ثقافي عربي، يلقى الرواج لأسباب كثيرة أولها طريقة التلقي فيما لو تجرأ أحد الكتاب على كتابة اعترافاته المغايرة لسيرته الذاتية تلك التي يختار منها ما يشاء، بينما أدب الاعترافات تدخل إلى كل جوانب الحياة بما فيها المظلمة بتفاصيلها اليومية.
في التفرقة بين السيرة الذاتية والاعترافات يقول برنارد شو «أروع السير الذاتية هي الاعترافات، ولكن الكاتب لو كان عميقًا فإن كل مؤلفاته تصبح اعترافات».
السيرة الذاتية هي تاريخ لحياة إنسان تروي مشوار حياته، أما أدب الاعتراف يقوم على البوح والإفصاح والمكاشفة والتجرد.
في أدب الاعترافات يحتاج الكاتب إلى جرأة كبيرة وإلى ذخيرة حياتية تختمر فيها خلاصة تجاربه، يشرح عبرها الإشكاليات المجتمعية تلك التي ساعدته على النمو أو إعاقته، ليعطينا فيها فكراً وفلسفة وحكماً حياتية تأخذنا معه في رحلة ممتعة، لا يهمنا فيها مجرد سرد تفاصيل تلك الرحلة، بقدر الحكمة من خلف كل تلك الأوقات التي يقدمها إلينا بأسلوب شيق.
يعاني أدب الاعترافات في عالمنا العربي من إعاقات حدت وجوده، طبيعة مجتمعاتنا التي تنحاز للكتمان، وعدم تقبل الآخر إلا في الصورة التي تريدها، وتراها أقرب إلى الخير، وفي كثير من الأحيان تعمد إلى إدانة النص دون التفرقة بين العمل والنتاج الأدبي وبين حياة الكتاب، وحقه في صياغتها لاطلاعنا عليها كأدب رفيع المستوى.
اليوم مع تغير الأدوات وانتقالنا إلى منحى تكنولوجي خالص، هل سيبدو لأدب الاعترافات أي معنى حتى لو تجرأ الكتاب وكاشفونا، على مواقع التواصل نعيش حالة من المكاشفة اليومية لكنها تأتي عبر ناس عاديين يقدمون تفاصيلهم ربما المقنعة بأسلوب ما، كي يجذبوا المشاهدات وتدر عليهم الأموال، وبالفعل تحصد تلك الفيديوهات آلاف المشاهدات رغم سطحية مضمونها.
بين الحالة التطهيرية التي يعمد إليها كاتب اعترافاته، والحالة المادية التي تجرنا إليها تلك فيديوهات الاعتراف فرق يومي إليك أن انتكاسة ما بدأت منذ سطع ضوء تلك الشاشات لا لتطفئ كلمات الاعترافات فقد، بل وتقتحم الكلمة تاركة إياها في ظلام كلما حاول البعض إيقاد شمعة سرق نورها أحد تلك المشاهد التي كل ما حولنا يتبناها بحرص غريب.
العدد 1130 – 31-1-2023