متلازمة الكارثة أو النكبة هي “مجموعة المشكلات النفسية والاجتماعية التي يمر بها ضحايا الأزمة أو النكبة”.
كثيراً ما تم الحديث بعد الزلزال الذي ضرب سورية والذي تجاوزت حصيلته الآلاف من الضحايا والجرحى الذين تعرضوا للإصابة مباشرة عند حدوثه ولكن هناك أيضاً مئات الآلاف من الأشخاص المصابين “غير المباشرين” الذين يُعتبرون أيضاً ممن يحتاج إلى دعم اقتصادي من جهة وإلى علاج طبي ونفسي واجتماعي بسبب ما عانوه أثناء وبعد الزلزال وهم بالإضافة لحاجاتهم الأساسية للطعام والتدفئة والسكن هم بحاجة ملحّة للعلاج النفسي والاجتماعي.
في البداية ما هو الجانب الذي يحتاج إلى تدخل طبي غير التدخل الناتج عن الأضرار الجسدية التي يتعرض لها الأفراد خلال الزلزال هناك “متلازمة دوار ما بعد الزلزال” وهي ما أثبتتها دراسات حديثة حصلت بعد الزلزال المدمر الذي ضرب اليابان في العام (٢٠١١) والذي فاق قوته (٩) درجات على مقياس ريختر عندما شعر كثير من الناس في المنطقة الشرقية من اليابان بالقرب من مركز الزلزال بالدوار، كما لو كانوا يتأرجحون، وهذا في وقت لم تكن تحدث فيه هزات ارتدادية بالفعل حيث أطلق الباحثان اليابانيان ياسويوكي نومورا وتيرو توي على هذه الظاهرة اسم “متلازمة دوار ما بعد الزلزال” وذلك في ورقة بحثية نشرت في مجلة ” أبحاث التوازن”.
في “متلازمة دوار ما بعد الزلزال” يشعر الشخص بدوار خاصة عند الجلوس وعندما يكون داخل منزل أو بناية وهي شائعة عند الإناث بشكل أكبر؛ وينصح الأطباء الذين يعانون من هذه المتلازمة بالعودة إلى حياتهم الطبيعية بأسرع وقت، من خلال ممارسة الرياضة في الأماكن المفتوحة، والنظر إلى الأماكن البعيدة، والإكثار من السوائل، بالإضافة إلى تلقي الدعم النفسي للمرضى وهذا أيضاً يقودنا للحديث عن ماهية الدعم النفسي خاصة لمن يعاني من المتلازمة أو الاكتئاب أو حتى الصدمات النفسية وهو ما سنوضحه كلا؟ على حدة.
فالدعم النفسي يعرّف في معجم مصطلحات الخدمة الاجتماعية بأنه “مجموعة المداخلات المبكرة الداعمة للناجين من حدث صادم مهدد للحياة أو لمن شاهدوا حدثًا مشابهًا أو لمن تعرض أحد من أحبائهم لمثله، وتتضمن هذه التدخلات توفير الأجواء الملائمة التي تتيح للمصاب شروط الراحة والثقة والأمان، التي تشجعه على التعاون والحديث طوعًا وبحرية، والتعبير عن مشاعره وانفعالاته دون إكراه من القائم على ذلك”.
الاكتئاب له مجموعة من ردود الأفعال العاطفية التي تتسم بظهور أعراض معينة كالحزن، التخاذل، اليأس، النظرة التشاؤمية بالنسبة للمستقبل، انخفاض النشاط والإنتاج، مشاعر النقص، والطمس الذاتي. وتكون تلك السمات في بعض الأفراد بشكل خفيف ومتقطع بحيث يصعب اكتشافها عن طريق الملاحظين ولكنها تظهر قوية ومستمرة وبشكل مكثف في آخرين وقد يمتد الاكتئاب الذي يحصل بعد الزلزال ما بين (٥) إلى (٤٠) عاماً وهذا ما كشفت عنه نتائج دراسة حول العلاقة بين زلزال تانغشان العظيم في الصين الذي حصل في العام ( ١٩٧٦) وبينت أن تجربة الزلزال ارتبطت بالاكتئاب بين الناجين الثكالى والنساء والأفراد الذين تزيد أعمارهم عن (١٨) عامًا في وقت وقوع الزلزال.
أما الصدمات النفسية تعني اختبار الذات لأحداث طارئة غير متوقعة تفوق القدرات التكيفية للأفراد والجماعات وتفصلهم عن الواقع وتضعهم تحت رحمة الآخرين وهذا ما يحصل أثناء الكوارث الطبيعية والبشرية.
وبالتالي سواء لمن تعرض للاكتئاب أو الصدمة فهو بحاجة إلى الدعم والإسعاف النفسي الذي تقوم جوانبه على تقديم الرعاية والمساندة العمليتين من دون تطفل وتقدير الاحتياجات والمخاوف كذلك مساعدة الناس على تلبية احتياجاتهم الأساسية (مثل الغذاء والماء والمعلومات) والاستماع إلى الناس، من دون ممارسة الضغط عليهم كي يتكلموا.
ومن أهم الواجبات عند تقديم المساعدة احترام السلامة والكرامة والحقوق ومراعاة ثقافة البيئة للأشخاص المتضررين ويجري تقديم الإسعاف النفسي الأولي بعد التعرض للحدث الصادم مباشرة أو بعد فترة زمنية قريبة.
نتائج الدعم النفسي تكون له نتائج إيجابية أفضل إذا تكاملت مع الدعم الاجتماعي من خلال شبكات دعم اجتماعي مناسبة تساعد على بناء علاقات جديدة للأفراد وأيضاً عبر مراكز اجتماعية وأنشطة اجتماعية ومهارات الحياة والأنشطة اليدوية وأنشطة بناء قدرات متنوعة.
كل هذه الأنشطة تساعد على تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية الجديدة من خلال تواجده في هذه الدورات التدريبية.
أما على الصعيد الإعلامي فيجب أن يترافق ذلك مع توفير شعور بالأمل وإعطاء المعلومات التي تهم المشاهد في مثل هذه المرحلة وعدم وضع السبق كأولوية في تغطيتها بالإضافة إلى دعم المبادرات الإنسانية والأهلية والتركيز على حملات التكافل وتسليط الضوء على الأعمال البطولية والحالات الفردية الاستثنائية وإعطاء المعلومة الدقيقة عبر الاختصاصيين.
في الختام يقول “سيغموند فرويد” الذي أسس مدرسة التحليل النفسي إن التشاؤم يفضي إلى الضعف، بينما التفاؤل يقودك إلى القوة وهو ما أكدته الأديبة الأميركية “هيلين كيلر” بأن التفاؤل هو الإيمان الذي يؤدي إلى الإنجاز لا شيء يمكن أن يتم دون الأمل والثقة وهو ما يجب التركيز عليه “التفاؤل”.
فالوجع كبير، والكارثة بحجم حرب من نوع آخر، لكن الأمل كان حاضراً دائماً وهكذا سيكون.. أسألوا من خرجَ حياً من تحت الرُكام.
د. مازن سليم خضور