ضاقت الأرض مما طالها من قصف وقتل وتدمير في الحرب على سورية خلال أكثر من عقد زمني، أرادت أن ترد الصاع.. زمجرت وغضبت.. شقت صدرها.. لكنه (لا يصيبن الذين ظلموا منكم خاصة).. لم تنصف من قهرتهم الحرب، ظناً أنها تثأر لهم ممن أضنوهم لسنوات مريرة..
توقفت حساباتها لدقائق، اهتزت بقوة والوطء دوماً ينال من الأبرياء.. وقع الزلزال.. دمر المنازل ومواقع الخدمات، وبعنفه وقهره.. أوقع أيضاً حدوداً؛ رسمت يوماً باللونين الأزرق والأحمر لتشرذم الأمة وتشتت القلوب، التي التأمت عند الخطر رغم أنف سايكس وبيكو وذاك الاستعمار..
نَكبنا الزلزال، آزرنا الأحبة، اجتمع الصف العربي على أرض سورية إلا نتفاً من الموغلة قلوبهم بالحقد.. أثبت الأشقاء أننا أمة خلقت لتكون على قلب واحد، تذكرت حرب تشرين، اليوم نهضت مع الأمة إنسانية أعلت الصوت، نحن آتون يا أرض التاريخ. لنعمل معاً ننقذ من باتوا تحت الركام.
الإنسانية صحت عند البعض الذين غلب الظن أنها ماتت لديهم.. علا الوجدان العربي على أكوام البنايات التي وقعت على الأرض.. من تحت الأنقاض كان انتشال الضحايا يواجه صعوبة بالغة، قساوة الطبيعة وبرد الشتاء القارس، كانا أحن من وجوه صفراء وأقلام من أوقعوا علينا الحصار.
من كسروا الحصار حضروا ليصلوا معنا الليل بالنهار كلما أنقذوا ناجياً تعالت أصوات الفرح تنادي فرق الإسعاف للإسراع به لأقرب مشفى.. غابات الإنسانية أورقت فوق الركام باستخدام أبسط أدوات الإنفاذ، لأن من تجردوا من إنسانيتهم حظروا كل بل أبسط شيء عن الشعب السوري
سورية تجلت للعالم بجمالها كوجه يوسف، وبحزنها شبه أبيه يعقوب، وبصبرها مثل أيوب.. هل من قداسة أثمن من ذلك.. آزرنا البعض بصيحات غضب لرفع الحصار.. أشعلوا الشموع لأجل سورية وشهداء نكبتها.. ولأجل شفاء جرحاها.. لسنا بقايا بشر كما أرادوا لنا يوماً ولن نكون..
لن نكون في بقايا وطن كما تحاول الترويج وجوههم الكالحة ومنطوق السم الذي تبثه أفواههم النتنة، وينشره إعلامهم الأصفر. سوريتنا وسع الكون ووسع المدى.. وأهلها كرام أعزة مهما جار عليهم الزمان وجيروه.. حتى لو كان زلزالاً.. الكلام قليلة كالدواء مفيد وكثيره قاتل مميت..
من عملوا بصمت منحوا الحياة لمن نجا.. مهما وهن العظم منا أو ضعفت عضلاتنا، وقلّ غذاؤنا وحتى لو لم نجد الدواء، سنظل المتفوقين إنسانياً.. نحب الحياة، تلاقت الأيدي وتآلفت القلوب، نسينا، سامحنا.. لأننا ننضح حباً، نسابق الزمن، شفيعنا الحب الذي مَنَحَنا القوة على تخطي الصعاب.
التزمنا الحداد أمام هول المصاب، انتفت المناسبات والأعراس، غابت الابتسامات وعلا النحيب لفنا السواد وغابت الألوان، الوطن مكلوم، إعلامنا لفه الحزن دموع غلبت على من نقلوا الأخبار وتحشرجت في حلوقهم الكلمات، الكل منكوب.. والكل حاضر في حضرة الموت كلما طال الوقت نزداد ألماً حين لا نجد آلة لإخراج صوت يأتي من تحت الردم. نلعن الحصار ألف مرة. كلما اختفى صوت نلعن من حاصرونا ويسرقون مقدراتنا ألف ألف مرة. عار على من فرض الحصار ثم يتشدقون برفعه لأيام محسوبة، جرعة مخدر يكمّون بها أفواه من ناصرونا النداء نشكرهم..
دموع الفاقدين سياط تلسع الأبدان الحية لمن في جسده بقايا حياة، أطفال بلا أهل.. آباء بلا أولاد أم تموت وجنين يولد.. دم ينزف تحت التراب.
لمن تجردوا من إنسانيتهم ألا تخشون غضب الطبيعة التي لم تحرك فيكم ساكناً تباً لكم.. وللحديث بقية…