الثورة – فردوس دياب:
بيتنا هو بيتكم، وطعامنا نتقاسمه فيما بيننا، أولادنا هم أولادكم، ودموعكم أغلى من دموعنا، ووجعكم وجعنا ، قلوبنا ستسعكم حتى لو لم يسعكم العالم كله، خذوا ما شئتم ولكن أرجوكم ألا تفقدوا الرغبة بالحياة، فلا حياة لنا دونكم.
هي حال السوريين جميعاً وهم يتقاسمون الوجع والحياة.
كثيرة هي صور المحبة والتكافل الإنساني والاجتماعي التي رسمها السوريون فيما بينهم، فالكل أصبح واحداً، والواحد أصبح الكل، والجسد كله بات محموماً من وجع بعض أعضائه.
الوجوه باتت كلها متشابهة، فالحزن وحده، ليس في الوجع والأسى، بل في مواجهة الكارثة التي هزت أركان أرواحنا.
كالذهب المستخرج من قلب النار، ها نحن نولد مجدداً من رحم الكارثة، وقد زينت جباهنا التي يعلوها غبار الحزن والأسى، علائم الشموخ والقوة والمحبة التي كانت أقوى من الزلزال بعد أن أعادت الثقة إلى نفوسنا المتعبة، وبعد أن رسمت الأمل على شفاه المنكوبين، ومسحت الدمعة من أحداق الأطفال والجرحى والمكلومين.
لقد أعاد الزلزال توجيه أرواحنا نحو مقاصدها الصحيحة بعد أن ضلت طريقها وضاعت في تيه الوجع والألم نتيجة سنوات الحرب العدوانية الطويلة التي أغرقت بين ثناياها جزءاً كبيراً من قيمنا وإنسانيتنا.
نحن السوريين الذين لطالما أثبتنا أننا صناع الحياة والأمل مهما كان الموت والألم كبيراً، نحن صناع الحاضر والمستقبل، بقدر ما نحن صناع الحضارة والتاريخ والأمجاد والانتصارات، نحن الذين لطالما نهضنا من تحت ركام الأزمات والحروب، ورسمنا طريقنا نحو المستقبل بكل إباء وشموخ واقتدار.
بالمحبة والتكاتف والتعاضد يزرع السوريون الأمل في أرواحهم المتعبة التي أرهقها الأنين والوجع، و يعيدون بحروفهم وكلماتهم التي هزمت الأنقاض والركام صياغة المفاهيم الإنسانية بعد أن جسَّدوا ذروة الإنسانية ومنتهاها.
كثيرة هي القصص والحكايات الحزينة التي دفنتها الأنقاض، لكن ما انتشل منها إلى الحياة علمنا أن هناك ما يكفي من النور لإضاءة كل تلك العتمة التي سكنت زوايا الروح والذاكرة.
صور السوريين وهم يزيلون أنقاض الزلزال، صورهم وهم ينفضون غبار الموت عن الجرحى ستبقى محفورة إلى الأبد في ذاكرة الجسد والوطن والضمير الإنساني، وسوف تداوي بحضورها الذي لن يغيِّب كل مآسي السوريين الذين كانوا عبر التاريخ منبع القيم والمبادئ الإنسانية.