لم يكن يوماً اعتيادياً لطلاب معهدي الآثار والفنون التطبيقية، فقد حملتهم واجباتهم الدراسية والتزامهم بعد عطلة لم تكن كافية لتغير مكاناً ألفوه وأحلاماً رسموها في ربوع قلعة دمشق، فما إن وطئت أقدامهم بوابة القلعة حتى شاهدوا ذاك الركام والحطام الذي كاد أن يدفن تحته مشاريع كانوا قد اجتهدوا طويلاً في تحضيرها، ودفنت معها ذكريات وابتسامات وآمال لم تر النور بعد.
ذاك الصمت الرهيب الذي خيم على القلعة إلا من بعض أنين تلك الحجارة التي تشكو ظلم معتد أثيم طال كيانها العريق بالدمار والخراب، دون مراعاة لحرمة قوانين دولية تحرم الاعتداء على الآثار، ولم يشفع لها تسجيلها على لائحة التراث العالمي، في حمايتها كإرث عريق وشاهد على حضارة الأقدمين وعراقتهم في الرقي والتحضر الاجتماعي والثقافي والتنويري.
إنه الكيان الصهيوني الذي يسعى دائماً وبجرائمه البشعة إلى استهداف هويتنا وحضارتنا، ولا يأل جهداً في استهداف مؤسساتنا التعليمية والثقافية، في محاولة يائسة منه إلى إغلاق منابر العلم والنور، ولكن هيهات هيهات.
ولكن قلعة دمشق وقفت شامخة أبية كعهدنا بها تقاوم عاديات الزمن ولسان حالها يقول:
أتتلفها؟ شلت يمينك خلّها
لمعتبر أو زائر أو سائل
منازل قوم حدثتنا حديثهم ولم
أر أحلى من حديث المنازل
لا شك أن الأنظار تتوجه اليوم إلى تلك الصروح الخالدة التي يجب أن تكون في دائرة اهتمام الجهات المعنية لإعادة تأهيلها وإعادة بنائها كونها التاريخ الناطق بحياة شعوب وقبائل قد رحلت وتركت هذا الإرث ليحدثنا عن أمجادهم وعظمة حضارتهم.
ورغم انشغال غير جهة بالإغاثة الإنسانية بعد تعرض البلاد لتبعات الزلزال الذي ضرب البلاد منذ أيام، تأتي الحاجة ملحّة إلى القيام بإغاثة من نوع آخر وهي الوقوف إلى جانب ذاك الإرث العريق، قلعة دمشق التي تحكي حجارتها عن أيام خالدة وأبطال لاتزال أصواتهم تصدح في المكان.
ستكون سورية بخير، إنه وعد الحياة، ووعد الحياة حق.