سوريون

كتب على صفحته الشخصية:«لن انتظرَ رحمةً.. لا من زلزالٍ ولا من طبيعة، ولا من مجتمعٍ دولي، ولا من دولةٍ معادية، وكأن على العدو أن يكون إنسانياً ويميّز بين زلزالٍ ومعركة وأخلاق، الرّحمة فقط هي ما وضعَ الله في قلوب هذا الشعبِ الحزين، وقد رأيتها في عيني، جميعنا قد رأيناها، هي ها هُنا رُغمَ الحُزنِ فينا، أنا بملء إرادتي هُنا، بملء إرادتي في دمشق المتعبة، ومع ناسهِا المُتعبين، مُتعبٌ مثلهم، ولو عاد الزّمن بي ألفَ مرّةْ، لم أكن لأرحل طالما أستطيع منحَ ابنتي بعضَ الدفءِ والطعام، والكثير من العائلة والحُب، في النهاية سننجح.. وسينجو منا من ينجو، وسيخبرُ أولادنا أننا كُنّا أبطالاً. وأنهُ حدثَ في دمشق أننا نجحنا، رغمَ الزلزال والحروب والفقر والجوع، نجحنا».

لم أذكر اسم كاتب النص، رغم تقديري لما كتب، فقط لأني لا أراه حالة فريدة بين السوريين الذين ما فقد قسمٌ عظيمٌ منهم الأمل والإرادة، رغم المآسي التي عصفت ببلدهم، وماتزال، على الأقل، منذ أكثر من عشر سنوات، أما إذا شئنا الحديث عن الأكثر فربما يعود بنا الزمان إلى بداية تاريخ أبناء هذه الأرض، أو(أبناء الشمس) كما وصفوا يوماً، وكان هذا الاسم هو العنوان الأولي لفيلم (سوريون) ثالث أفلام ثلاثية باسل الخطيب عن نساء سوريات في زمن الحرب، والتي بدأها بفيلم (مريم)، وأتبعها بفيلم (الأم)، ثم جاء بعدها فيلماه (الأب)،و(دمشق – حلب) وكل منهم قدم بدوره رؤية سينمائية للأحداث المأساوية التي شهدتها سورية على امتداد العقد الماضي.

في (سوريون) قدم باسل الخطيب لمشاهديه تفاصيل أحداث ما زالوا يعيشون تفاصيلها المرعبة، ما تزال تحفظها ذاكرتهم غير البعيدة، وفي الحد الأدنى عرفوا ما يماثلها إلى حد الوثيقة، لكنها مع ذلك بدت، ورغم فرط واقعيتها، وكأنها رؤية خيالية سامية السحر، أو لنقل أن الجمهور لمس بعينه كيف يمكن للعمل الفني أن يقدم الحدث الحقيقي، مهما بلغت بشاعته وقسوته، بلغة فنية راقية تحفظ للعمل أولوية الفن، وتحول دون انزلاقه إلى صورة مستنسخة فاقدة للروح المبدعة، تنهل من شهرة الحدث، و تتكئ على صداه.

زورق يتسع لعاشقين لا أكثر يشق طريقه في النهر الصغير، عابراً بلطف بين النباتات التي تكسو وجه الماء، حتى نكاد لا نسمع صوت المجدافين، فيما الأشجار الكثيفة الخضرة تحيط بضفتي النهر مانحة المشهد بأكمله مسحة شاعرية إضافية، غير أننا سننتظر حتى نهاية الشريط السينمائي، لنكتشف كم من الأسى يختبئ وراء الصورة العذبة لعناق الشابين العاشقين، برع باسل الخطيب، كعادته، في اختيار مواقع التصوير، حيث يمتلك المكان في الآن ذاته جمالياته المبهرة، ودلالاته الثرية، وهو باختياراته الواعية والذكية تلك ينتصر لموقف إبداعي بذاته في حوار يمتد طويلاً في الزمان والجغرافيا، بلغ إحدى ذراه في السجال الذي رافق فيلم الجزائري البارع محمد الأخضر حامينه (وقائع سنين الجمر) منتصف السبعينات، حول التباين بين جمال الصورة، وقسوة الحدث، فبين أحضان الطبيعة السورية الساحرة تسجل كاميرة باسل الخطيب صوراً مخضبة بالإجرام الذي عصف بسورية، فطال حياة أبنائها وأمنهم وأحلامهم وبيوتهم، وما شادوا لمستقبل أبنائهم من سدود ماء ومخازن قمح، ولم تكن مصادفة أن يصور باسل الخطيب وقائع شريطه السينمائي المدهش بين الأبنية الأسطورية المدمرة، وإنما هو انتقاء يحمل رسالة عميقة الدلالة، كما هو حال الكثير الكثير من مشاهده، وكما هو الفيلم بأكمله، وثمة مشهد هنا يستعيد من الذاكرة سلفاً له من أفلام الكفاح الجزائري ضد العدو الغاصب وعملائه المحليين، حين يطبق مجاهد جزائري على رقبة خائن حتى يكاد يقضي عليه، فيجيء صوت حكيم القرية العجوز مخاطباً إياه بلهجة جزائرية وقورة :«دعه ولدي أحمد، الكلاب تموت هاملة».. أما عند باسل الخطيب فإن خائن ناسه وبلده يقضي بين أنياب كلب وفي حين كان الخائن يسعى مرة جديدة للغدر برفيق طفولته، وجار عمره.. هذا الانتقام المشروع ليس الرسالة الأخيرة للفيلم.. وإنما تكمن رسالته الخلاصة في صورة بطل الفيلم، ابن الأرض النقي، وهو يعيد بناء بيته المتهدم، بالتوازي مع صورة الأطفال في مدرسة الباليه..

آخر الأخبار
كيف نتعامل مع الفساد عبر فهم أسبابه؟ الشهر الوردي.. خطوة صغيرة تصنع فرقاً كبيراً فوضى البسطات في الحرم الجامعي.. اغتيال لصورة العلم وحرمة المكان  غموض وقلق يحيطان بالمؤقتين .. مامصيرهم بعد قرار عدم تجديد العقود؟ الغلاء في زمن الوفرة.. حين لا يصل الفلاح إلى المستهلك حملة الوفاء لكفروما أم الشهداء.. إعادة تأهيل المدارس في مرحلتها الأولى ثلاث أولويات في الخطة الزراعية حتى نهاية 2026 أسباب ارتفاع الخضار والفواكه كثيرة.. والفاتورة على المواطن الروضة.. البوابة الأولى للفطام العاطفي أمراض الخريف عند الأطفال.. تحديات موسمية وحلول وقائية كيف يصبح التدريب مفتاحاً للفرص المهنية؟ الاعتراف بالواقع وابتكار الحلول.. طريق لبناء سوريا غياب الرقابة وتمادي الشاغلين.. أرصفة حلب بلا مارة! أول برلمان في سوريا بلا "فلول" الأسد شح المياه يهدد اقتصاد درعا.. نصف الرمان والزيتون في مهب الريح الجفاف يخنق محصول الزيتون وزيته في تلكلخ تمثيل المرأة في البرلمان لا يتجاوز 3%.. والأحمد يؤكد: الرئيس الشرع سيعمل على تصويبه الجفاف وآثاره المدمرة.. ضرورة التحرك لمستقبل مستدام الهبيط المدمّرة تنتظر مزيداً من الجهود لإزالة الأنقاض وعودة الحياة دبلوماسيون يشيدون بسير الانتخابات..تنظيم وشفافية تعكسان مرحلة جديدة من الاستقرار