الثورة – وعد ديب:
“رغم أن الأسواق مليئة بالخضار والفواكه، لماذا لا تنخفض الأسعار؟ بل إن بعضها يرتفع رغم أن الموسم في ذروته؟!”، سؤال يتكرر يومياً في الأسواق، ويقول حال مواطن، أين المشكلة؟.
عن هذا التساؤل الذي بات يتردد على ألسنة الكثيرين، يرد الخبير الزراعي المهندس أكرم عفيف، مؤسس مبادرة المشاريع الأسرية السورية التنموية في حديثه لـ”الثورة”، أن الموضوع أبعد من مجرد قلة إنتاج أو غياب الرقابة، مشيراً إلى سلسلة من الأسباب الممتدة من الحقل إلى طاولة المستهلك.
ليست كل الأسعار مرتفعة
ويبين أن الأسعار ليست كلها مرتفعة، وبعض الأنواع تباع بأسعار منطقية جداً في موسم الباذنجان اليوم المرشرش الحمصي، يباع بـ 2500 ليرة للكيلو، والقلاج الأحمر بـ 2000 ليرة للكيلو، أما الفليفلة فتباع بـ 3000 ليرة، لكن عند الحديث عن البندورة، التي تباع حالياً بالجملة بـ6000 ليرة، يظهر التفاوت، والسبب؟ إنها في نهاية موسمها، وتُنقل من درعا مع تحمّل أجور نقل مرتفعة، ما يبرر جزئياً السعر المرتفع.
ويؤكد م. عفيف أن الخلل الأساسي ليس في الإنتاج، بل في تعدد الوسطاء، وارتفاع التكاليف بين الفلاح والمستهلك، فالخضار تمر من المزارع إلى الكومسيون، ثم الجملة، ثم المفرق، وأحياناً “جملة الجملة”، وكل حلقة تضيف هامش ربح وتكلفة نقل وتخزين.وفي بعض الحالات، تكون نسبة من البضاعة تالفة، ما يجعل تكلفة الباقي ترتفع لتعويض الخسارة، وهكذا يتضاعف السعر تدريجياً إلى أن يصل إلى المواطن بسعر يفوق قدرة دخله، حتى لو كان المنتج في الأصل بسعر منخفض.
وتابع: في المقابل، لا يبدو الفلاح مستفيداً من هذه الدائرة، فبعض المحاصيل أصبحت تُباع بخسارة، فالخيار مثال واضح، إذ انخفض سعر الكيلو إلى 1000 ليرة وأحياناً إلى 700 ليرة، وهي أسعار لا تغطي تكاليف الزراعة.
النتيجة.. بحسب الخبير التنموي والزراعي، أن كثيراً من الفلاحين توقفوا عن زراعته رغم أنه محصول يُزرع أكثر من مرة في الموسم، ما قد يؤدي لاحقاً إلى نقص في المعروض وارتفاع جديد في الأسعار.
الشراء الموسمي الذكي
ويقدم عفيف حلاً بسيطاً وعملياً في أن يُغيّر المواطن سلوكه الاستهلاكي، ويعتمد على الخضار ذات الأسعار المنخفضة، بحسب الموسم، مثلًا: اليقطين يباع اليوم بـ1000 ليرة فقط في سوق الهال، والورقيات في بداية الموسم تباع بـ5000 ليرة سورية ، لكنها تنخفض خلال أيام إلى 1000 ليرة، ما يجعل الانتظار قراراً اقتصادياً ذكياً.
وبحسب الخبير عفيف، هذا السلوك لا يخفف العبء عن المواطن فقط، بل يساهم في تحقيق توازن بالسوق، ويمنع ارتفاعاً غير مبرر في الأسعار.
ومن التجارب العملية التي يشير إليها الخبير التنموي، هو إحداث “سوق الفلاحين” في بلدة الحواش.
ويقول: في هذا السوق، يُسمح لأي مزارع يملك فائضاً من الإنتاج أن يطرحه للبيع مباشرة من دون وسطاء، ويتم احتساب الربح بعد أسبوع من البيع.
وهذه التجربة، برأي العفيف، قللت التكاليف على المستهلك، وزادت ربح الفلاح، وأثبتت أن الحلول المجتمعية ممكنة، وقابلة للتوسع.
الخبير التنموي يختصر الحل بثلاثة محاور تتعلق بتخفيض تكاليف الإنتاج والنقل، ودعم الاستهلاك الواعي للمواطنين، وضمان ربح عادل للفلاح لتشجيعه على الاستمرار.
ويؤكد أن الاقتصاد الزراعي في سوريا يجب أن يُدار بمنطق الوفرة لا التقنين، وفي الدول المتقدمة يُنتج المحصول ليُستهلك لا ليُخزَّن أو يُحتكر، وعندما تكون المنتجات وفيرة في السوق تنخفض الأسعار بشكل طبيعي ويستفيد الجميع.
ويختم مؤسس مبادرة المشاريع الأسرية التنموية السورية حديثه بالقول: الأسواق ليست فقيرة بالإنتاج، بل تعاني من سوء توزيع، وتعدد حلقات الوساطة وغياب التنسيق بين المنتج والمستهلك، لكنه يعتبر أن الحلول ليست بعيدة وتعتمد على تنظيم الأسواق، وتشجيع البيع المباشر، وكذلك تعزيز ثقافة الاستهلاك الموسمي، ودعم الفلاح ليبقى في أرضه ويستمر في الإنتاج، ووفقاً لذلك يمكن كسر مفارقة الغلاء في زمن الوفرة.