الثورة – إيمان زرزور:
أنهت سوريا أمس الأحد صفحة طويلة من تاريخها السياسي بانتخاب أول مجلس شعب بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، في حدث اعتبره مراقبون تتويجاً لمرحلة التحول الديمقراطي التي تمر بها البلاد منذ سقوط النظام البائد.
وأعلن المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، نوار نجمة، انتهاء عمليات الاقتراع في جميع المحافظات السورية، مؤكداً في تغريدة على منصة إكس أن “مجلس الشعب خالٍ تماماً من فلول النظام السابق”، مشيراً إلى أن اللجنة “ستقصي فوراً أي عضو يثبت ارتباطه بنظام الأسد أو تورطه في جرائمه”.
وأوضح نجمة في تصريحاته أن المجلس الجديد يمثل “مؤسسة للحوار الوطني وصياغة التشريعات التي ستؤسس لمستقبل سوريا الحديثة”، مشيراً إلى أن العملية الانتخابية جرت في أجواء هادئة وشفافة، بمشاركة واسعة من أعضاء الهيئات الناخبة في خمسين دائرة انتخابية على مستوى البلاد.
ويعني إعلان اللجنة العليا للانتخابات أن المجلس الجديد خالٍ من فلول نظام الأسد، عملياً إغلاق صفحة الاستبداد السياسي الذي حكم البلاد لأكثر من خمسة عقود، وتأكيد مبدأ المساءلة السياسية لكل من تورط في جرائم النظام السابق، وتشكيل خطوة رمزية لإعادة الاعتبار للعدالة الانتقالية وتطهير مؤسسات الدولة من النفوذ القديم.
في السياق ذاته، أكد الرئيس أحمد الشرع أن المرحلة السياسية الجديدة تضع على عاتق البرلمان المنتخب مسؤوليات كبيرة في إقرار القوانين المجمّدة منذ سنوات، وإطلاق ورشة تشريعية شاملة تسهم في دعم عملية إعادة البناء وترسيخ الاستقرار بعد الحرب.
وجاءت تصريحات الرئيس الشرع خلال زيارته إلى المكتبة الوطنية في دمشق، حيث تابع سير عمليات الاقتراع، وأشاد بالتنظيم والإقبال الشعبي، معتبراً أن “المشاركة الواسعة في الانتخابات تعكس نضج المجتمع السوري وإصراره على استعادة دوره في صنع القرار الوطني”.
وقال الرئيس في كلمته إن “إعادة إعمار سوريا مسؤولية وطنية جامعة لا تتحقق إلا بتكاتف جميع السوريين”، مؤكداً أن الدولة الجديدة تُبنى بالعقل والعمل لا بالشعارات، وأن الانتقال من الحرب إلى الانتخابات خلال أشهر قليلة يمثل “تحولاً تاريخياً يعبّر عن إرادة السوريين في بناء وطنهم على أسس العدالة والمواطنة”.
وأشار الشرع إلى أن أمام مجلس الشعب الجديد تحديات كبيرة، أبرزها إقرار التشريعات التي تمس حياة المواطنين اليومية وتحديث المنظومة القانونية لتلبية احتياجات مرحلة إعادة الإعمار، داعياً أعضاء المجلس إلى “التحلي بالمسؤولية الوطنية والعمل بروح الفريق الواحد من أجل مستقبل البلاد”.
وختم الرئيس كلمته بالتأكيد على أن الأيام المقبلة يجب أن تشهد خطوات عملية ملموسة تنعكس على حياة الناس، قائلاً: “بناء سوريا واجب يتشارك فيه الجميع، ولا إصلاح حقيقياً بلا إرادة جماعية صادقة”.
وشهدت الانتخابات مشاركة واسعة من أعضاء الهيئات الناخبة البالغ عددهم نحو 14 ألف شخص، حيث تنافس 1578 مرشحاً، بينهم 14 في المئة من النساء، على 140 مقعداً من أصل 210، فيما سيُعيّن الرئيس أحمد الشرع الثلث المتبقي وفق أحكام الإعلان الدستوري الجديد.
وتُعد هذه الانتخابات أول استحقاق ديمقراطي يُجرى في ظل النظام السياسي الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع، ما يجعلها الركيزة الأولى لإعادة بناء المؤسسات الدستورية بعد سنوات الحرب والفوضى، فهي تنقل البلاد من مرحلة الشرعية الثورية إلى شرعية دستورية منتخبة تُعبّر عن إرادة الشعب لا عن إرادة الحاكم.