الجفاف وآثاره المدمرة.. ضرورة التحرك لمستقبل مستدام

الثورة – تحقيق سهى درويش:

شهدت سوريا انخفاضاً كبيراً في معدلات الأمطار وزيادة في درجات الحرارة، خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تراجع كبير في مستويات مياه الأنهار والبحيرات، إضافة إلى تداعيات بيئية خطيرة تؤثر بشكل مباشر على الزراعة والموارد المائية والوصول إلى الجفاف، الأمر الذي استدعى تكاتف جهود المعنيين لمعالجة هذه المشكلة من خلال توفير حلول مستدامة للمياه، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.

في هذا التحقيق الصحفي نتابع هذه الظاهرة، وطرق الحد من آثارها والجهود الأكاديمية والمؤسساتية لإيجاد الحلول الممكنة.

تدهورالنظم البيئية

حول أسباب الجفاف وآثاره، والتدابير الواجبة لمواجهته، قال أستاذ علم المناخ في جامعة اللاذقية الدكتور رياض قره فلاح لـ”الثورة”: الجفاف هو النقص الحاد في المياه المتاحة لفترة ممتدة، إما بسبب قلة هطول الأمطار أو زيادة معدلات التبخر، ما يؤدي إلى اختلال التوازن المائي.

وتتنوع أسبابه بين الطبيعية والبشرية، كالتغيرات المناخية، إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة العالية إلى زيادة التبخر وتغيير أنماط هطول الأمطار، ما يطيل فترات الجفاف ويجعلها أكثر حدة.. أما الأنشطة البشرية فتتمثل بزيادة الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، والإدارة غير المستدامة للموارد المائية.

وعن أثر الجفاف على البيئة أوضح د. قره فلاح أنه يؤدي إلى تدهور النظم البيئية، وأن نقص المياه يقلل التنوع البيولوجي، ويزيد انقراض أنواع نباتية وحيوانية لا تستطيع التكيّف مع نقص المياه.

وكذلك يؤدي إلى تآكل التربة التي تصبح جافة وعرضة للتعرية بفعل الرياح، ما يفقدها خصوبتها، إضافة إلى تدهور جودة الهواء بزيادة الغبار فيه، كما أن انخفاض منسوب المياه يزيد من تركيز الملوثات في المسطحات المائية المتبقية، ما يؤثر على جودة المياه.

عواقب الجفاف

وعن عواقب الجفاف على الزراعة، أوضح أن الزراعة تعتبر من أكثر القطاعات تضرراً من الجفاف الذي يؤثر في انخفاض إنتاجية المحاصيل وجودتها، وتهديد الأمن الغذائي بنقص المعروض من الغذاء وارتفاع أسعاره.

كما أن للجفاف تأثيرات على الثروة الحيوانية، إذ تعاني الماشية من الإجهاد الحراري ونقص المراعي ومصادر الشرب، ما يؤدي إلى انخفاض إنتاجيتها من اللحوم والألبان.

ويؤكد الدكتور قره فلاح إمكانية التنبؤ بالجفاف بدقة متزايدة بفضل التطور التكنولوجي، ويتم الآن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، التي تحلل البيانات المناخية التاريخية ورطوبة التربة للتنبؤ بظروف الجفاف المستقبلية بدقة عالية، ما يتفوق على الطرق التقليدية، وتهدف هذه النماذج إلى توفير إنذار مبكر يساعد في التخطيط الفعّال لإدارة المياه.

وحول إمكانية التخفيف من آثار الجفاف، أوضح أن ذلك يتم عبر تحسين إدارة المياه بترشيد الاستهلاك في الزراعة والصناعة، وإعادة تدوير المياه، واستخدام تقنيات الري الحديثة، والاستثمار في تحلية المياه في المناطق الساحلية، إضافة إلى الزراعة المستدامة والذكية مناخياً، واعتماد محاصيل مقاومة للجفاف وممارسات تحافظ على رطوبة التربة، ووضع خطط الطوارئ للجفاف وتطوير أنظمة مراقبة وإنذار مبكر.

زيادة خطر الحرائق

وبخصوص ارتباط الجفاف بالحرائق، أكّد الدكتور قره فلاح أن الجفاف عامل رئيسي في زيادة خطر حرائق الغابات، إذ يعمل على تجفيف النباتات والأعشاب والأغصان الميتة، محولاً إياها إلى وقود جاهز للاشتعال، وتوسيع نطاق الحرائق، وكلما طالت فترة الجفاف، زادت مساحة الأراضي الجافة القابلة للاحتراق، وأصبح إخماد الحرائق أكثر صعوبة.

وأوضح أن للجفاف تأثيراً دائرياً على المناخ، فالأراضي الجافة تسخن بسرعة أكبر، ما يشكل مرتفعات جوية تعمل على كبح تشكل السحب وهطول الأمطار، ما يطيل فترة الجفاف نفسه في حلقة مفرغة.

كما أن له تأثيرات على النظم البيئية بتعطيل السلاسل الغذائية بسبب نفوق بعض الأنواع أو هجرتها، ما يخل بالتوازن البيئي ويجعل هذه النظم أقل قدرة على مقاومة التغيرات المستقبلية والتعافي منها.

في مواجهة الجفاف

وحول مواجهة الجفاف ونقص الوارد المائي في المحافظة، أشار مدير مياه اللاذقية المهندس عبد الخالق دياب إلى أن نبع السن في اللاذقية يؤمن نحو ٨٥ بالمئة من حاجة المحافظة للمياه، بكمية تقدر بـ٣٣٠ ألف متر مكعب يومياً في حالته الطبيعية، والغزارة الوسطية للنبع ١٣م٣ /ثا.

وبسبب انخفاض الهاطل المطري لهذا العام والجفاف، أصبحت كمية الضخ تتراوح بين ٢٤٠ ألف متر مكعب إلى ٢٧٠ ألف متر مكعب يومياً، إذ انخفضت الغزارة الحالية بحدود ٤ م٣/ثا، والمؤشر في هبوط.

وبيّن المهندس دياب أن محطة تصفية اللاذقية تعتبر وارداً داعماً لتأمين استقرار مياه شرب المدينة، وتؤمن ١٨٥ ألف متر مكعب يومياً في الحالة الطبيعية عند التشغيل الأعظمي، ويتم الضخ بحدود ٥٠ ألف متر مكعب يومياً للمحافظة على المخزون لفترة أطول نتيجة حالة الجفاف وانخفاض منسوب السد.

وأوضح أن مدينة اللاذقية من أفقر المدن بالمياه الجوفية، ويتم حفر آبار على ضفاف الأنهار لتتم الاستفادة من مردودها، والغزارة تتراوح بين ٥م٣/ سا إلى ٥٠ م٣/ سا، وهناك عدد من مصادر الينابيع والآبار جفّت حالياً، وأخرى انخفضت غزارتها إلى النصف تقريباً، مثل آبار كفر دبيل وعين التينة وزاما.

إجراءات المؤسسة

ولفت المهندس دياب إلى أن المؤسسة تقيّم الاحتياجات العامة للمحطات، ويتم حالياً التعاقد والتنسيق مع المنظمات لإعادة تأهيل نحو ١٨ محطة، إضافة لصيانة ٢٨٩مجموعة ضخ و١٣٩٠ نقطة تسريب مياه، و٨٣٣ متراً طولياً استبدالا لخطوط مهترئة، وإزالة الوصلات المخالفة والتعدي على الشبكة.

وأوضح أن المؤسسة تتجه نحو تحديث وتطوير منظومة الضخ من نبع السن باتجاه محافظة اللاذقية وتنفيذ محطات تصفية صغيرة، وتركيب عدادات ذكية، وتنظيم حفر الآبار لمنع الاستنزاف الجائر، والأهم دعم مشاريع حصاد مياه الأمطار وغيرها من الإجراءات لمواجهة الجفاف.

وأوضح أنه مع التغيّرات المناخية المتسارعة، وتراجع معدلات الهطول المطري، باتت الموارد المائية تحت ضغط غير مسبوق، وبين السدود والأنهار والموارد الجوفية، تتجه الجهود نحو إدارة رشيدة تضمن استمرار الزراعة وتوفير مياه الشرب، عبر تقنيات الري الحديثة وتخزين الفائض المائي وإعادة استخدام المياه المعالجة.

الموارد المائية

في حديثه لـ “الثورة”، أوضح مدير الموارد المائية في اللاذقية المهندس محمود قدار أن المديرية تشرف على /١٤/ سداً عاملاً، و/8/ سدات مائية، بحجم تخزين إجمالي ٣٦٦ مليوناً و٤٥٠ ألف متر مكعب ( عدا السدات) لري ٤٣ ألف هكتار عبر شبكات ري حكومية (مكشوفة أو مضغوطة) بطول إجمالي تقريبي ٢١٠٠ كم.

وأضاف م. قدار: يتم الاعتماد على المياه الجوفية المتفجّرة على شكل ينابيع، وأهمها نبع السن الذي يغذي محافظتي اللاذقية وطرطوس بمياه الشرب، إضافة لوجود محطة ري ومشروع للضخ الشتوي، ويتم إملاء سد الحويز من فائض نبع السن شتاءً.

وعن نسبة التخزين لهذا العام أشار إلى أنها قد بلغت ببداية موسم الري٤٠ بالمئة من السعة التصميمية بسبب الجفاف وانحباس الأمطار في الشتاء، ولذلك قدمت مديرية الموارد المائية هذه البيانات للجنة الري الرئيسية في المحافظة التي اعتمدت برنامج ري متناسباً مع المخزون المتوفر، وفق التالي: سد الحويز: دورة ري واحدة لكل من المنسوب +50، والمنسوب +80، وشبكات ٣٠٠٠ هكتار، وثلاث دورات ري لشبكة سد الحويز ٥١٨ هكتاراً.

ولفت مدير الموارد إلى أن سد الحويز تم الضخ إليه من فائض نبع السن خلال الشتاء السابق، وبالتالي يتم الري منه بشكل طبيعي، أما سد كفردبيل، سد بيت ريحان: ثلاث دورات ري، وسد السفرقية: دورتي ري.

والمنسوب +11 والمنسوب +26: من مياه نبع السن، وتم تنفيذ أربع دورات ري، أما سد بحمرا (سرير النهر) ست دورات ري، سد بللوران: دورة ري واحدة، سد طرجانو: دورة ري واحدة، سد الحفة: دورتي ري، سد الجوزية: دورة ري، سد كرسانا: اربع دورات ري، سد القنجرة: خمس دورات ري، سد خربة الجوزية: أربع دورات ري.

وأكّد م. قدار أنه تمت مساعدة المزارعين بحفر البرك على المجاري المائية بجوار العقارات وإنجاز أكثر من /٣٠٠/ بركة لهذا الموسم.

مياه الشرب

وفيما يتعلق بمياه الشرب أوضح أنه تم تأمين حاجة المحافظة من نبع السن بنحو ٢٨٠ ألف متر مكعب يومياً، ومياه سد مشقيتا 1,2 م3/ثا، بالإضافة إلى بللوران وسد الحفة، إذ يخصص لمياه الشرب نحو /5/ ملايين متر مكعب من سد بللوران وكامل مخزون سد الحفة تقريباً.

أما بالنسبة لقنوات الري فأوضح أنه تم تعزيل نحو ٢٧ كم هذا الموسم بالتزامن مع تنفيذ دورات الري، بما فيها السيفونات والعبارات التي تحتاج إلى تعزيل لتأمين وصول المياه إلى كل العقارات المستهدفة، وبالنسبة لصيانة خطوط الري فهي تنفذ بشكل دائم وضمن الأولويات وفقاً للإمكانيات المتاحة، ولاسيّما أن معظم الخطوط قديمة، ولا توجد قساطل من نفس النوع (اسبستوس)، ولكن يتم دائماً التعامل مع الصيانات وفق البدائل الممكنة والمتوفرة، ولم يلحظ أي هدر يعتبر للمياه عبر الصيانات، إذ تم إصلاح قناة اللدينة ١٢٠٠مم، وتم إيصال المياه إلى كل العقارات المروية ولاسيما (كلماخو- قروصو- بني عيسى.. الخ). أما بالنسبة لعقارات( بدميون، جبريون والبهلولية)، فقد تمت الصيانات اللازمة وتم إرواؤها بشكل كامل، كما تم استخدام قسم من مياه سد مشقيتا في القنوات المكشوفة لتمكين المزارعين أصحاب العقارات المجاورة من ري أراضيهم خلال هذا الموسم.

مخرجات أكاديمية

خرجت الورشة العلمية التي نظمّتها مؤخراً كليتا الهندسة المدنية والهندسة الزراعية بمشاركة مديرية الموارد المائية، مديرية الزراعة، مؤسسة المياه، نقابة المهندسين باللاذقية ونقابة المهندسين الزراعيين في جامعة اللاذقية تحت عنوان: “إدارة الموارد المائية في ظروف الجفاف بمحافظة اللاذقية”، بتوصيات علمية هامة لمواجهة التحديات المائية في المحافظة أهمها:

– ضرورة مواجهة التغيرات المناخية بجدية والتعامل الفعّال مع آثارها السلبية على مواردنا المائية.

– استثمار مياه نبع السن محلياً في محافظة اللاذقية فقط نظراً لقدرة محافظة طرطوس على تعويض حصتها من خلال مواردها الجوفية الوفيرة.

– ضرورة تنظيف بحيرات السدود ومعالجة مشكلة الرواسب المتراكمة عبر إجراءات هندسية فورية لضمان كفاءتها التخزينية.

– تصميم أنظمة ري حديثة وفعّالة والتحول نحو أصناف نباتية تتحمل الجفاف.

– البحث عن حلول فعالة لتخزين مياه نبع السن التي تهدر في البحر.

ختاماً..

إن هذه الظاهرة بما تختزنه من مخاطر بيئية واقتصادية، تستوجب تكاتف الجهود ورفع الوعي للتخفيف من آثارها السلبية ومواجهتها لضمان استدامة الموارد المائية.

تصوير- نادر منى

آخر الأخبار
غياب الرقابة وتمادي الشاغلين.. أرصفة حلب بلا مارة! أول برلمان في سوريا بلا "فلول" الأسد شح المياه يهدد اقتصاد درعا.. نصف الرمان والزيتون في مهب الريح الجفاف يخنق محصول الزيتون وزيته في تلكلخ تمثيل المرأة في البرلمان لا يتجاوز 3%.. والأحمد يؤكد: الرئيس الشرع سيعمل على تصويبه الجفاف وآثاره المدمرة.. ضرورة التحرك لمستقبل مستدام الهبيط المدمّرة تنتظر مزيداً من الجهود لإزالة الأنقاض وعودة الحياة دبلوماسيون يشيدون بسير الانتخابات..تنظيم وشفافية تعكسان مرحلة جديدة من الاستقرار قطر تؤكد دعمها لإعادة إعمار سوريا وبناء دولة المؤسسات والقانون بيان مشترك بين سوريا والأردن يؤكد نجاح التعاون الأمني في مكافحة تهريب المخدرات بيع أصول الدولة أو خصخصتها.. هل نضحي بالمستقبل من أجل الحاضر؟! خبير اقتصادي يحذّر من فاقد يتجاوز 40 تريليون ليرة بعد انتخابات شفافة ونزيهة هذه هي مطالب أهل السلة من اتحادهم الجديد 4 أندية مستمرة بدون هزيمة في الدوريات الكبرى استعداداً لكأس العرب.. وديتان للمغرب مع مصر والكويت الإصابة تُبعد سينر عن دورة شنغهاي للتنس اليوم طائرتنا الأنثوية مع الأردن مونديال الشباب.. النرويج ونيجيريا وفرنسا آخر المتأهلين لدور الـ 16 وخروج مصر تجربة نموذجية تعبر عن اتجاه سوريا الجديدة ترامب ينشر خريطة الانسحاب داخل غزة.. وتحضيرات لمؤتمر القاهرة