الجوائز الأدبية تتكاثر، وتتوالد على ساحات الأجناس الأدبية من قصة، ورواية، وشعر، ومسرح، وترجمة، وغيرها.. والمعايير توضع من قِبل المختصين بتحديد، ودقة.. فالمجاملات، والمحاباة، لا مجال معها في مثل هذه الأحوال.. فلا تهاون، ولا تجاوز على المقاييس الموضوعة يُسمح به في محاكمة النصوص المشاركة في تلك المسابقات، مادام المقصد منها واضح، والهدف الذي تسعى إليه محدد وهو الارتقاء بصنعة الكتابة ـ لو جاز التعبير ـ والنهوض بها إلى عتبة أفضل مما هي عليه.
وهنا تكمن المشكلة فالمعايير موصوفة، ومعروفة، والمشاركات التي لا تستوفي شروطها هي لاشك معدومة، ولا فرصة لها للتقدم نحو الفوز. واللوائح القصيرة، والطويلة التي تعلنها الجوائز إنما ترتكز على جودة الأعمال المقدمة، وما تناله حظوظها من درجات التقييم، والتقدير.
ولكن ماذا لو اختلفت الآراء، وتباينت الدرجات بين الجيد، وفائق الجودة؟ إذاً لا بد من الاحتكام بدقة أكبر لما هو من معايير التقييم. وماذا أيضاً لو اختلف القراء مع النصوص الفائزة، ألن يكون هذا الأمر مثار تساؤل، أو شك يفتح باباً للأخذ والرد، ويستدعي معه السؤال: هل الجوائز الأدبية حقاً تثري المسيرة الإبداعية؟!
وإذا كانت الجوائز لا تصل إلى غاياتها القصوى فإنها على الأقل تحرك المياه الساكنة عندما تخلق جواً من الحِراك الثقافي على مختلف الأصعدة، وتلعب دوراً لا يستهان به في التحفيز على التنافس، إذ لا يقف الأمر عند المكافأة المادية للفائز خاصة إذا ما كانت مجزية، بل إن الفوز يعني التقدير في الوقت ذاته للكاتب، ولمنجزه الإبداعي، وما يتبع ذلك من الشهرة التي تطاله من تسليط الأضواء نحوه، وتزايد أعداد قرائه.
إلا أن أزمة حقيقية تنال من الحياة الثقافية عندما تتحول تلك الجوائز إلى هدف بحد ذاته يسعى إليه مَنْ يسعى، وإذا بأعداد المتنافسين تتزايد مع كل إعلان عن جائزة، وإذا بالموضوعات الفائزة في الدورات السابقة تصبح نموذجاً مثالاً للخوض بها، والاقتداء بمفرداتها. وهذا ما أصبحنا نلحظه كثيراً في الأعمال التي فازت بجوائز أدبية وجلها، إن لم تكن كلها، تتناول موضوعات بعينها تدور في فضاء التاريخ السياسي، أو التراثي، والأزمات الحالية من نكبات، وهجرات، وأحداث معاصرة متفجرة. ويكاد ابتكار موضوعات مختلفة عن هذه المسارات يكون غائباً عنها.. والابتكار هنا لا يعني الانبثاق من الفراغ بل يعني في كثير من الأحيان الإضافة، أو التطوير، أو الاستلهام، وهذا الخيط الدقيق هو ما يميز الإبداع.
أما الخسارة في المنافسة فهي لا تعني سقوط النص، أو الانتقاص من قيمته، أو أنها المعيار للجودة من عدمها، فكم من الأعمال الإبداعية المتفوقة التي لم تربح في مضمار الجوائز، وربحت الاعتراف بقيمتها على الساحة الأدبية. وكذلك هي الحال مع الفوز فهو لا يعني الفوز المطلق على كل الساحات.
إن الجوائز الأدبية، وما يتبعها من امتيازات الفوز، تحرص على أن تكرّس مستقبلاً للجنس الأدبي الذي اختارته كنوع من الاحساس بالمسؤولية تجاهه بشرط عدم ازدواج معايير التقييم، وتحقيق المفاضلة العادلة بناءً على أسس التحكيم الثابتة التي لا تقبل أنصاف الحلول لترسيخ أدب حقيقي يعيش طويلاً، ويصبح عالمياً.
على أي حال فإن العينات العشوائية التي ترد من المتسابقين إلى ساحات الجوائز تظل مهمة لأنها تعطي فكرة عن النظرة إلى جنس أدبي بعينه، وعن طريقة تناوله ، وكيف يفهمه مَنْ يحاولون أن يكتبوا فيه، وما هي الأخطاء التي يقع فيها بعضهم، وكيف يمكن وضعهم على الطريق الصحيحة، إذ لعل نصاً واحداً من هذه النصوص كفيل بالكشف عما هو المطلوب، أو إلى أين يسير هذا الجنس الأدبي، وماذا نريده منه، وماذا نريد أن نقول، وما الغايات التي تهدف الجوائز عموماً إليها، وما هو مستقبل هذا الجنس الأدبي.
فهل يا ترى ستخرج الجوائز الأدبية يوماً من شرنقتها التي نسجتها حول نفسها لتطلق أجنحتها متنوعة الألوان في كل الفضاءات؟
* * *