لغة الضاد في خطر..؟!

الملحق الثقافي- دلال إبراهيم:
«ليس المعيب أن تتعلم لغة أجنبية وتتقنها وتتحدث فيها عند الحاجة، ولكن المعيب هو أن تهجر لغتك الأم وتستخدم لغة دخيلة على مجتمعك وثقافتك» ما زالت تلك الكلمات احتفظ فيها بذاكرتي لأستاذ مادة المسرح في الجامعة حين كنت أدرس الأدب الفرنسي. في الوقت الذي كان يشدد علينا بإصرار استخدام اللغة الفرنسية في الحديث معه حتى خارج قاعات التدريس.
منذ البدايات اعتدنا نحن الناطقين باللغة العربية على ازدواجية اللسان، حيث نستخدم لغتين متداخلتين، ما يعرف بالفصحى، واللغة العامية أو المحكية، التي تختلف من بلد عربي إلى آخر. الفصحى نستخدمها للكتابة، والعامية في أحاديثنا. ومنذ فترة شرع أغلب الجيل الناشىء في استخدام العامية في الكتابة، ضاربين عرض الحائط بكل القواعد اللغوية والنحو والصرف، الذي تعلمناه في المدارس و»امتحانات أعرب ما تحته خط، إعراب مفردات وما تحته خطان إعراب جمل». وقد بدأت تعلو للتو أصوات تطالب باعتماد العامية لغة الكتابة والمحادثة، وحتى بدأ صدور روايات باللهجة المحكية، علماً أن الرواية بقيت النوع الأدبي الوحيد المحصن ضد هجوم اللهجات العامية عليه. هذا ناهيك عن إدخال كلمات بلغات أجنبية أخرى. وظهورُ لغةٍ شبابية هجينة بين اللُّغة العربيَّة العامية ولغة الشارع وبعض الألفاظ الأجنبية، يتحدثها جيلٌ مِن الشباب اليوم، وصَل إلى مستوًى من التعليم يفترض فيه أن يكونَ واعيًا لطريقة تعبيره عن نفسه، غيرَ أن هذا الجيلَ الجديد قد وقع في فجوة كبرى مِن انعدام الانتماء، والذنب ليس ذنبَه فقط؛ فهو جيل محبَط، ويعاني مِن فقدان الانتماء؛ نظرًا لعدم إيمانه بالقِيَم الموجبة، وبالحضارة العربية، وهي عوامل تجعله يحاول التخلّص مِن كل رابط يربطه بهذه الحضارة، ولعل مِن أهمِ هذه الروابط: اللغة؛ لذلك نجد معظم هؤلاء الشباب «متفرنجاً « يسعى إلى التوحُّد بالنسق الغربي الذي يبتغي الهرب إليه. ولكن مع فرض الهيمنة الثقافية نفسها على مجتمعاتنا، والعولمة التي جعلت لغات معينة تسود على البقية، ودور المؤسسات التعليمية هي ما أدت إلى تهميش أهمية تعلم اللغة العربية الأم، وعزوف معظم الشباب العربي عن تعلمها والاهتمام باللغات الأخرى أكثر، وخاصة منها الإنكليزية، نظراً لأنها اللغة المطلوبة في سوق العمل. وبهذا نشأ نوع من الالتباس في علاقة الناطقين بها، وبرزت فئات وطبقات في مجتمعاتنا العربية بعينها تُركزعلى الانتصار لغيرها كنوع فقط من «البرستيج» وتقليد الغرب.هذا إلى جانب طموحات الشباب في الهجرة وقطع أي تواصل لهم مع البلد واللغة الأم نتيجة تردي الأوضاع في أوطانهم من جميع المناحي، أضف إليها واقع الأمة الضعيف الذي عكس حالة ضعفه على اللغة العربية.
ومن الواضح، ومنذ القدم أن اللغة هي انعكاس للقوة، وبالتالي لاعجب أن تسيطر لغة من يمتلك القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وعصب التجارة ولغة وسائط التواصل الاجتماعي. وفي أوج ازدهار وقوة العرب في عهد الدولة العباسية كان الملك شارلمان يفتخر بأن ولي عهده (ابنه) يجيد اللغة اللاتينية والعربية. وهذه التحديات في تهميش ثقافة ولغة الدول لا تتوقف على العرب وحدهم، وإنما تعاني منها الكثير من الدول، منها فرنسا وإسبانيا اللتان أسستا منظمة الفرانكوفونية لمواجهة سطوة الإنجلوسكسونية، واستعمارها اللغوي. أما الألمان فأصدروا معجماً للغة الشباب الألمان VollKonkret الذي أعده هرمن إهمن في عام 2001، وكان الكتاب الثالث الذي يصدره المؤلف في إطار معالجته لموضوع تطور لغة الشباب في البيئة الثقافية الألمانية.
ونخلص هنا إلى نتيجة أن تاريخ وثراء وعراقة لغة لا يشفع لها أمام تحديات لم تتخذ ضدها الحكومات متكأً لها لمواجهتها. متمسكين باستبعاد فكرة احتضارها كما يعتقد البعض، معتبرين أنها مؤسسة قائمة بحد ذاتها، ومستشهدين بشهادة الكاتب الألماني غوته، حيث يعتبرها (حية وخالدة) لأنها لغة الخيال الشعري والخطاب المعياري الواقعي. إلا أنهم أغفلوا أن اللغة هي منجز معرفي يتسع بالاستعمال ويذوي تحت ضربات الإهمال. ولا بد من الإشارة هنا على ما سبق أن ما شهدته اللغة العربية وتعايشها سابقاً مع عشرات اللهجات واللغات المحيطة في القرون الوسطى اجتازت امتحان المنافسة على مر التاريخ، وخرجت من هذا الامتحان منتصرة تماماً.
ويبرز لدينا السؤال الجوهري: أيهما أخطر على اللغة العربية؟ هل تمثل تلك اللغة التي يتكلم بها الشباب اليوم، قواعدها غير سليمة، مملوءة بالعامية وبالكلمات والتعابير الأجنبية الجديدة، تهديدا للتراث اللغوي والهوية الثقافية؟ أم هي تطور طبيعي للهجة حيوية في ظل العولمة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي؟ أم عزوف الشباب عن استخدامها واللجوء إلى استخدام لغات أخرى، في جميع تعاملاتهم؟ معللين السبب أنها لغة صعبة ومرهقة في التعلم وغير مثيرة للآهتمام- وفق ما سمعته من العديد من الشباب-
في الواقع يعود السبب في معظمه في عزوف الشباب الناشىء عن تعلم العربية إلى أسلوب التدريس ومواد التعلم التي يرونها بأنها شاقة ولا تتماشى مع هذا العصرالذي ينحو نحو التبسيط في في كل شيء. بحيث تبدو المناهج التعليمية، وخاصة فيما يتعلق باللّغة العربية، مناهجَ موجهة لصناعة جيل كارهٍ للّغة العربية، فتوضع قواعد النحو واللغة -عمدًا أو عن غيرِ عمدٍ- بطريقة معقَّدة وتجريدية، فيجد الطالب في تلك القواعد ما يحُول بينه وبين الإقبال على اللغة العربية الفصحى، وهنا يجب أن ندقَّ ناقوس الخطر، وندعوَ كل المهتمين باللغة العربية إلى تبسيط قواعد اللغة وربطها بالحياة اليومية؛ حتى تبقى وظيفية، وتخرجَ من الحيز الضيق الذي حُشِرت فيه؛ حيز الامتحان، الذي يُريد أن يجعل منها مجرد مادة لغوية لا علاقةَ لها بالواقع الاجتماعي، أو الثقافي، أو الاقتصادي..
أزمتنا مع المخاطر المهددة للغة العربية هي أشبه :بالمد والجزر».ولكن علينا هذه المرة أن نتنازل قليلاً عن طمأناتنا التي لم تعد مجدية في هذا العصر. فنحن أمام تيار قوي علينا إجادة السباحة معه لا السباحة عكسه. وإلا فإننا سوف نغرق وتضيع مفاتيح كنوز ثمينة من يد أجيالنا. فلغة الإنسان هي جزء من هويته وكينونته، وعدم معرفتها قد يحدث خللاً في مفهوم الهوية والانتماء.
        

العدد 1135 –  7-3-2023

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة