الملحق الثقافي- وفاء يونس:
ما الذي يدفع بفتاة أن تشكر صديقتها قائلة:(ثانكس)، وبشاب يحيي زميله بقول:(هااي)، مازجاً بين مفردات أجنبية وعربية، وهو ما سمي (بالعربيزية)، سؤال يفرض نفسه ويبحث عن إجابة.
هدى محمد طالبة جامعية تجيبنا بأن «العربيزية» تلفت الانتباه لمتحدثها وتوحي بأنه شخص راقٍ وذو ثقافة وإنسان متحضر، وتؤيدها في ذلك حياة خالد مشيرة إلى أن «العربيزية» خفيفة وظريفة فضلاً عن سهولة تداولها، وتعتبر بأنها اختصار للوقت والجهد وهي مفهومة في أوساط الشباب وهذا يكفي.
عن ذلك تتحدث الأستاذة لمياء عبدالله مؤكدة انتشار هذه الظاهرة بين أوساط الفتيات ورغم كون لمياء تدرس اللغة الإنجليزية إلا أنها ترفض هذه الظاهرة، وتعتبرها تشويهاً لجمال لغتنا العربية كما أن استعمال كلمات ومفردات إنجليزية في مجتمعاتنا كما تقول (لها أسباب وانعكاسات مختلفة وقد أصبح كنوع من التباهي بمعرفة اللغة الإنجليزية وهي طبقية تتعلق بإظهار الفتاة لطبقة راقية أكثر من انتمائها لطبقة مثقفة وواعية ناهيك عن تأثر الجيل الجديد بالقنوات والفضائيات وما يتداول في هذه التقنيات من مصطلحات أجنبية تشجع على تداول اللغة الإنجليزية أكثر من غيرها).
د. فاطمة الزعبي: «العربيزية» مصطلح جميل يبين قدرة اللغة العربية على الاستجابة لكل متطلبات العصر، وتتمثل ذات الرأي الأستاذة رباب الشيخ قائلة:(انتشرت ظاهرة «العربيزية» كنوع من الاستعراض ولفت الانتباه، إلا أن ما يحزنني هو أن الكثير من الطالبات تكون إنجليزيتها ضعيفة ورغم ذلك تتداول كلمات أجنبية لتثبت تفوقها أمام الأخريات وهي بالكاد تتحدث اللغة الإنجليزية).
ومن جانبها أكدت آمال سعد النور أستاذة في التاريخ والحضارة بأن ظاهرة (العربيزية) جاءت كنتيجة طبيعية لتمازج الحضارات، وتداخلها ودائماً ما تكون اللغة هي أول ما يتأثر بالانفتاح على العالم الخارجي، الذي ينتج تداخلاً في العادات والتقاليد ونجد في بعض الدول العربية كالمغرب العربي أن اللغة العربية تتخللها العديد من المفردات الفرنسية وربما معظم حديثهم يسيطر عليه اللغة الفرنسية، وانتشرت هذه الظاهرة بين الدول العربية الأخرى وأصبح مواطنوها يمزجون الكلمات العربية بأخرى أجنبية نتيجة الغزو الفكري والتقنيات الجديدة مما يؤدي إلى خلق جيل ممسوخ الحضارات، وصاحب لغة ممسوخة.
أمّا فاطمة عبدالفتاح الزعبي دكتوراه في اللغة العربية والأدب القديم فتعتبر أنّ ظاهرة إدخال مفردات أجنبية في الحديث ظاهرة ليست جديدة، وإنما هي شأن يطفو على السطح عندما تعاني الأمة من الضعف، فتراها تتطلع للأمم التي تلعب دوراً قوياً في الحضارة الإنسانية، ولنقل الشعوب المغلوبة على أمرها تتخذ الشعوب الغالبة قدوة في مظاهر حياتها المختلفة، في لغتها وفي لباسها، في طعامها وفي شرابها، وجوانب متعددة من ثقافتها، وتستمر الزعبي في تفسيرها لظاهرة (العربيزية) مؤكدة أن الأمة قد شهدت مثل هذا في مراحل مختلفة من تاريخها، وبشكل خاص في مراحل ضعفها كما أسلفت، وشتان بين ما كان يفعله الشعراء في عصور ازدهار الحضارة العربية الإسلامية واكتساحها للحضارات العالمية آنذاك وبين ما نراه في أيامنا هذه، في ذلك الزمن كان بعض الشعراء (يتملحون) بإدخال بعض المفردات الفارسية مثلاً في أشعارهم، ولكن هذا لم يكن ليلحق ضيماً باللغة العربية، لأنها كانت لغة الحياة والحضارة والعلم والفكر والدين، أما ما شهدته الأمة من إدخال للمفردات الغريبة عن لغتنا في حياتنا اليومية، فهذا ما يحسب له حساب، ويخشى منه على اللغة، عندما كانت البلدان العربية تخضع للسيطرة العثمانية في مرحلة ماضية، كان شائعاً استخدام اللغة التركية في الحديث اليومي، لا بل كان البعض يتباهى بإدخال هذه المفردات في حديثه، وتذكر الزعبي أمثلة لبعض المصطلحات التي ما زالت قيد الاستخدامن وخاصة في بلاد الشام ومصر، مثل كلمات: البازار (السوق) والسوكة (زاوية تقاطع الطرق)، والرتب العسكرية مثل: الشاويش، باش مهندس، وغير ذلك من المفردات، وعندما جاء الاستعمار الحديث الفرنسي منه والإنجليزي، وجدنا أيضاً أن مفردات لغته حلت معه، وأصبحت الطبقات العليا في المجتمع إبان هذا الاحتلال تستخدم ألفاظه في أحاديثها وتتظرف بها، إنها لغة الغالب المسيطر، فشاع استخدام (بونجور) الفرنسية مكان (صباح الخير) العربية، (بونسوار) مكان (مساء الخير) و(أورفوار) مكان (إلى اللقاء) وهكذا، واليوم، تهيمن اللغة الإنجليزية، التي هي لغة معظم الشعوب التي تفوقت تقنياً وعلمياً، وسيطرت بشكل أو بآخر على جوانب متعددة ومختلفة في العالم، وهذا التفوق لا ينكره إلا من يرغب في مغايرة الحقائق، فإن الشعوب المتخلفة الضعيفة – ونحن منها -هي غالباً من تتملح بإدخال مفردات هذه اللغة في كلامها، مما أدى إلى تفشي ما دعوتموه بظاهرة (العربيزية)، وهو مصطلح جميل يبين قدرة اللغة العربية على الاستجابة لكل متطلبات العصر، وعن الوسائل التي يمكن أن تساهم في الحد من ظاهرة (العربيزية) تطالب الزعبي بنشر ثقافة الثقة والاعتزاز بالهوية العربية الإسلامية واللغة العربية وعنوان هويتنا، وكذلك نشر ثقافة التكلم بالفصحى في قاعات التدريس في المستويات الدراسية كافة، واعتماد الفصحى في لغة الإعلام المسموع والمرئي، وكذلك الحد من استخدام اللغة والأسماء الأجنبية في اللوحات الإعلانية لواجهات المحلات والدعايات المختلفة.
هذا ما عبرت عنه آمال سعد النورفي مقالها: ظاهرة «العربيزية» جريدة الرياض 5تموز 2010م – العدد15351
العدد 1135 – 7-3-2023