الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
كثيراً ما يطرح المعلّمون والمدرّسون ومعهم أولياء التلاميذ والطلاب معاناتهم من ضعف الكثير من طلبتنا في اللغة العربية وعزوفهم عن الاهتمام بها وإتقانها حديثاً وكتابة !؟
وبالكاد يخلو مجلس، أو مجالسة، أو اجتماع أولياء من طرح هكذا قضية، وربما يشعرون بعجز واضح ؟!يعرفون الداء، يبحثون عن الدواء والعلاج الناجع.
وفي سياق الطروحات التي لا تنتهي حول هذه الظاهرة يرى البعض أن صعوبة منهاج اللغة العربية وكثافته من أسباب الضعف باللغة العربية ليس على مستوى المدارس فحسب، إنّما يمتد إلى المرحلة الجامعية!؟
وإنّ وجود المعلم المختص في اللغة العربية في مرحلة التعليم الأساسي أحد أهم عوامل اهتمام التلاميذ والطلاب بلفتهم وتلافي الضعف والتقصير فيها.
ويرى البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها ومسمياتها، سحبت البساط من تحت أقدام الشباب ليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع العامية واللهجات المتعددة، والألفاظ المبتذلة، والإسفاف في تشويه الذائقة الفنية التي تحققها اللغة العربية الفصحى من حيث جمالياتها وغناها اللفظي والمعرفي.؟!
نعم ..لقد تراجع الاهتمام باللغة العربية لفظاً وكتابة مع انتشار الفضاء الأزرق، واستسهال النشر دونما تدقيق من حيث اللغة، والأخطاء الإملائية والنحوية، إذ غالباً ما تعج صفحات وملتقيات ومنتديات ومنابر و…. تدّعي أنّها (أدبية ؟!) أو(ثقافية ؟!) بالأخطاء المقيتة والتي لا تُغتفر، ومن غير المقبول قبولها ؟!
بالمناسبة قرأت قبل عدة أيام في أحد الملتقيات الأدبية كلاماً يدّعي صاحبه أنه شعر، ويصنّف نفسه ضمن الشعراء ؟! وقد كتب كلمة (براءة) (برأة) على هذا الشكل ضمن عنوان ما سماه قصيدة وكرّرها أكثر من مرّة في سياق قصيدته العصماء ؟!
بكل تأكيد تشعر بالغثيان من مثل هذه الأخطاء؟! وتجد نفسك مدفوعاً للإشارة إلى مواقع الخلل وأحياناً الصراخ لوقف هكذا أخطاء؟!
لا شك أن اهتمامات الجيل تغيّرت وتبدّلت، تغيّرت الأولويات بتغير الزمن والأجيال ودخول التقنيات الحديثة والتي لم توظّف بالمجمل لصالح اللغة ؟! وهذا بكل تأكيد لا يبرر التقصير وضعف الاهتمام باللغة العربية، اللغة الأم والحاضن للفكر والثقافة والإبداع..
مع انتشار التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال والتواصل تغير اتجاه البوصلة، تراجعت القراءة والمطالعة، تراجع الاهتمام بالكتاب والذي هو خير جليس كما كان في أيامنا عندما كنا تلامذة في المرحلة الإبتدائية قبل نصف قرن، وكانت هواياتنا المفضّلة القراءة والمطالعة، نبحث بشغف عن كتاب، أو قصة أو مجلة ولا نجدها ؟!
إذاً نحن أمام مشكلة حقيقية، مسؤوليتها لا تقع على جهة محددة، هي مسؤولية جماعية يتقاسمها الجميع …الأسرة واهتمامها بأبنائها وتشجيعهم على الاهتمام باللغة منذ مراحل الطفولة المبكرة، المدرسة والمعلم في مرحلة رياض الأطفال والتعليم الأساسي ودوره المهم في تحبيب وتحفيز التلاميذ على إتقان اللغة العربية من خلال تعزيز المهارات اللغوية المنوّعة من خط وتعبير وفصاحة وخطابة وتحدّث بالفصحى، وهنا دور التربية في تأهيل معلمي ومدرسي اللغة العربية أولاً ومدرسي المواد الأخرى ثانياً من خلال الدورات المستمرة وإطلاع المتدربين على كل جديد وتطوير في ميدان التعليم والتعلّم.
كما أن للتعلم الذاتي ومتابعة المعلّم والمدرّس لنفسه، والاهتمام باللغة العربية الفصحى، من حيث الإتقان والمتابعة الأهميّة الكبرى في تشجيع التلاميذ والطلاب على حبّ لغتهم الأم، وتعزيز معارفهم ومهاراتهم اللغوية وصقلها من خلال القراءة والمطالعة ومحاولات الكتابة الأدبية، والأخذ بيدها إلى مدارج الضوء والحياة.
ثمّة خطوات تمّت في هذا السياق لتعزيز العلاقة بين الشباب ولغتهم الأم، وتشجيعهم على إتقانها وتذوق جمالياتها ومحسناتها البديعية ؟ نذكر على سبيل المثال:المسابقات الأدبيّة التي تقيمها منظمة اتحاد شبيبة الثورة سنويّاً وبشكل هرمي، تبدأ من المدرسة مروراً بالرابطة والفرع ثم على مستوى القطر وتكريم الفائزين الأوائل بطباعة نتاجهم في كتاب، ومسابقة تحدي القراءة بالتعاون بين وزارة التربية واتحاد شبيبة الثورة والتي تقام بشكل سنوي.
إضافة إلى المسابقات التي تنظمها فروع اتحاد الكتاب العرب سنوياً ودورها المهم في تشجيع الموهوبين أدبياً وصقل تجاربهم الفتيّة.
ويبقى السؤال قائماً:كيف نربط أبناءنا الشباب بلغتهم الأم ؟كيف نعزز مكانتها في نفوسهم وعقولهم ؟
كيف نجعلها في أولويات اهتمامتهم الفكرية والثقافية والمعرفية ؟
لا شك أن الإجابات المقنعة لهذه الأسئلة تكمن في تشجيع الشباب على القراءة والمطالعة وتوفير وتأمين (الكتاب الشعبي) بأعداد كبيرة وشبه مجانية، وكان ملحق الثورة الثقافي قد أعدّ ملفاً خاصاً عن الكتاب الشعبي وأهميته منذ وقت ليس بالبعيد.
الاستمرار بإقامة المسابقات ومعارض الكتب وتخصيص مكافآت مجزية للفائزين الأوائل.
اعتبار اللغة العربية ليست لغة تعليم فحسب، إنّما لغة حياة، تشكل لدى الناشئة محور اهتمامهم ويكون التحدث بها أولوية وضرورة.
وحتى تبقى لغتنا العربية، لغة الضاد، أمّ اللغات، لغة العلم والحياة ؟ لغة تفيض جمالاً ورقّة وعذوبة، وتشكل الحاضن لكل روافد الثقافة والمعرفة، علينا أن نعزز ثقة شبابنا بلغتهم الفصحى وجعلها في سلم الأولويات من خلال إتقانها حديثاً وكتابة والتمعن بجمالياتها وكنوزها، والارتقاء بها من كونها لغة للتعلم إلى لغة للعلم والحياة.
العدد 1135 – 7-3-2023