الثورة – عبد الحميد غانم:
لا تقاس الثورات الإنسانية بعمرها الزمني، وإنما بما قدمته للبشرية من فكر ساعد على التحول المجتمعي والتطور الإنساني ودفع حركة المجتمع والأوطان خطوات متقدمة إلى الأمام.
فالثورات الحقيقية عبر تاريخها الطويل التي حدثت في بقاع مختلفة من العالم، أثمرت نتائج هامة، فقد خلّصت مجتمعاتها من المشكلات والتحديات والضغوط الجاثمة عليها، واستطاعت أن تنير الدرب أمام الأجيال نحو تحقيق الأهداف المنشودة.
لقد مكنت هذه الثورات مجتمعاتها من تحويل الأحلام إلى حقيقة واقعة وأن ترتقي بها نحو المستقبل الزاهر الأفضل، وأن تخرج أوطانها من الارتهان الاقتصادي والسياسي، وأن تطرح أرضاً كل المعوقات الاجتماعية المعطلة لمسيرة التقدم الداخلي، وتواجه التحديات الخارجية التي تمنع الاستقلال الوطني وتبقي الوطن على حالة الارتهان الخارجي.
ومثل تلك الثورات لا تشيخ ولا تهرم، بل تحافظ على فاعليتها وقدرتها على التحرك السريع لمواجهة التحديات الماثلة والطارئة والقادرة على تجديد فكرها ونهجها وآليات عملها وتعاملها مع التحديات الجديدة، والقدرة على إيجاد البدائل المناسبة للمشكلات التي قد تبرز خلال مسيرتها، فتحافظ على ألقها وتجدد فكرها.
هكذا حال ثورة الثامن من آذار التي فجرها حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية في الثامن آذار عام 1963، حيث شكلت نقطة تحوّل مهمّة ليس في المسيرة النضالية للبعث، بل في تاريخ سورية والوطن العربي والمنطقة، إذ انتصر الشعب العربي في سورية على قوى الرجعية والانفصال، وانطلق في خطا ثابتة باتجاه بناء مجتمع جديد لا مكان فيه للتخلف، وقد جاءت الثورة ثمرة لنضال الحزب القومي الذي استطاع أن يرسّخ في أذهان الجماهير الأهداف الأساسية المعبّرة عن تطلعاتها إلى بناء مجتمع متحرّر، واستطاع أن يحرك هذه الجماهير على امتداد الوطن العربي لتقديم التضحيات من أجل قضيتها وتحقيق آمالها.
كما نقلت ثورة الثامن من آذار سورية إلى مرحلة جديدة، تمّ التأسيس منها لبناء مجتمع العدل والكفاية، ولبناء وحدة وطنية راسخة ذات مضمون ديمقراطي.
وعلى الرغم من مرور ستين عاماً على قيام ثورة الثامن من آذار ما زالت الثورة تتابع مسيرتها من خلال نهج التطوير والتحديث بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، تلك القيادة الشجاعة والمبدئية التي يلتفّ حولها الشعب التفافاً وطنياً لا تزعزعه المؤامرات والضغوط الخارجية.
وسورية اليوم برعاية القيادة الحكيمة للسيد الرئيس بشار الأسد وبصمود شعبها البطل وبسالة جيشها تتابع المسيرة للتغلب على تداعيات الحرب الإرهابية المتواصلة بأشكال مختلفة بالإرهاب الاقتصادي والإرهاب السياسي والإعلامي والعدواني الذي تمارسه قوى الغدر والعدوان الأميركي والغربي بالتعاون والتنسيق مع القوى الصهيونية والإرهابية التي فشلت بعد اثني عشر عاماً في تحقيق أطماعها وغاياتها الاستعمارية بإضعاف سورية وتقسيمها وإلغاء دورها الحضاري الريادي في المنطقة والعالم، باعتباره الأساس في جبهة الصمود والتصدي والمقاومة للمخططات الاستعمارية والصهيونية التي تواجه انتكاسات وهزائم متلاحقة منذ قيام ثورة آذار وحتى الآن، ولم تستطع أن تنال من صمود سورية ومواقفها الثابتة والمبدئية، ودائماً سورية تخرج منتصرة من جولات الصراع، وأكثر قوة وصموداً، ويتجدد فكر ثورتها وحيويتها واستمرارها في تحقيق المزيد من الإنجازات والخطوات المتقدمة للحفاظ على سيادة الشعب والوطن ومواصلة مسيرة التنمية والتطوير والتحديث.