عبد الحليم سعود:
وسط ترحيب إقليمي ودولي واسع وتشكيك وسخط صهيو-أميركي لافتين، خطت العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية خطوة متقدمة باتجاه التطبيع بعد فترة من التوتر والتأزم والقطيعة بين الطرفين، حيث ظهر الدور الصيني الإيجابي بوضوح من خلال الاتفاق التي تم توقيعه مؤخراً في بكين بين وفدين كبيرين يمثلان المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر الذي يمكن أن يحدث تأثيرات إيجابية مهمة في العديد من ملفات المنطقة المعقدة بالنظر للدور الذي تلعبه كلا الدولتين على مستوى المنطقة، كما يمكن للاتفاق أن يكون له تأثير كبير على الوضع الدولي ولا سيما فيما يخص إمدادات الطاقة التي شهدت تذبذباً وتأزماً على خلفية الحرب في أوكرانيا واستقرار السوق النفطية عموماً، ولا سيما أن السعودية وإيران من أهم الدول المصدرة للنفط الخام، إضافة إلى كونهما عضوين فاعلين وبارزين في منظمة أوبك.
لا شك أن إصلاح العلاقات بين الرياض وطهران سينعكس بالإيجاب على الأوضاع في كل من سورية والعراق ولبنان واليمن وعلى الخليج عموماً، وقد ينتج تفاهمات تؤدي إلى حل العديد من الأزمات المشتعلة فيما لو استطاع الطرفان تقليل تأثير الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني ومنعهما من تخريب الاتفاق بسبب تضاربه مع المصالح الأميركية والصهيونية المبنية أساساً على المشكلات والتوترات والأزمات التي تعصف بالمنطقة، وافتراضياً تبدو الولايات المتحدة أقدر من الكيان الصهيوني على تخريب الاتفاق بالنظر لوجود قواتها وأساطيلها وقواعدها العسكرية في العديد من دول المنطقة ورعايتها وتشغيلها لكل التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي لا مصلحة لها بالاستقرار.
يمكن اعتبار الاتفاق الذي رعته الصين من بوادر تبلور التعددية القطبية على مستوى العالم، إذ لم يكن مسموحاً للصين قبل الحرب على سورية وكذلك الحرب في أوكرانيا أن تقوم بمثل هذا الدور، فالولايات المتحدة هي التي كانت تقرر شؤون المنطقة عموماً وتفرض شروطها وتخلق وتصطنع الأزمات والحروب فيها، وتعمل على تصعيد التوترات المذهبية والطائفية، حيث كان العراق شاهداً على الدور التخريبي الذي لعبته في هذا الإطار منذ غزوها للعراق عام 2003، وهي التي ما زالت تحول دون التوصل إلى حل سياسي في سورية وتشجع الجماعات الإرهابية والمليشيات الانفصالية على إطالة أمد الصراع والأزمة، ونفس الأمر يمكن قوله في ساحات أخرى كلبنان واليمن وليبيا.
الاتفاق مهم لجهة كونه خطوة تأسيسية لإصلاح العلاقات بين الدول العربية من جهة وبين الدول العربية وجيرانها من جهة أخرى، ويمكن البناء عليه بالنظر لأهمية الدولتين وقدرتهما على التأثير في العديد من دول الإقليم كتركيا مثلا، ويمكن أن يساعد الاتفاق على إصلاح العلاقات بين سورية وتركيا فيما لو التزم النظام التركي بتعهداته في أستانا حول السيادة السورية وسحب قواته المحتلة من الشمال السوري وتوقّف عن التدخل في الشأن السوري، وللاتفاق أهمية كبرى على صعيد تبريد ساحات التوتر وسحب فتائل التفجير من أماكن عديدة على مستوى المنطقة، ولكن تبقى الخشية عليه من الولايات المتحدة بشكل كبير لأنها قادرة على تعطيل كل شيء في لحظة ما، فتنظيم داعش يعمل تحت إمرتها وبرعايتها ويمكن أن يلعب دوراً تخريبياً في أي لحظة، لذلك يقع على عاتق كل من إيران والسعودية مسؤولية كبيرة في استمرار الاتفاق وديمومته كي يحقق الغاية المرجوة منه.