ريم صالح:
“الشيطان يعظ”.. لعل هذا هو الوصف الدقيق الذي يجسد حال واشنطن، التي لطالما كانت، ولا تزال تنظّر على لسان رؤسائها، ومسؤوليها، ديمقراطيين كانوا أم جمهوريين، بأنهم حريصون كل الحرص على أن يعم السلام والأمان كل أرجاء المعمورة، وأن يعيش البشر كل البشر، وهم يتنعمون بحقوقهم التي كفلتها لهم الشرائع والمواثيق الدولية، بينما الحقيقة هي على النقيض من ذلك كلياً.
ليست خلافات الرياض طهران وحدها التي تشي بوجود الأصابع الأميركية خلفها، بل كل الأزمات، وكل الحروب، وبحسب الوثائق والإحصائيات، فإنه على الرغم من أن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية لم يتجاوز الـ ٢٣٥عاماً، إلا أن هذا التاريخ يعج بأعداد هائلة من الحروب، وافتعال الأزمات، حيث أن ٩٣٪ من عمر أمريكا، هو عبارة عن حروب، وجرائم، ومجازر بحق الشعوب الأخرى.
هو تاريخ قذر بكل معنى الكلمة، بدءاً من إبادة الهنود الحمر، مروراً بحرب فيتنام، وجنوب الفلبين، والعراق، وأفغانستان، والصومال، وصولاً إلى سورية، ولا تزال الإدارة الأمريكية وإلى الآن تحيك شراكها الدموية على ذات النول التلفيقي العدواني.
وكالعادة تتعدد الروايات الهوليودية الكاذبة، لتصب في خانة الأهداف الأمريكية السوداء، ليتم التنقل، وبسلاسة، من أكذوبة إلى أخرى، فتارة تحت ستار حقوق الإنسان، وتارة تحت ستار الحريات والعدالة، وأخيراً تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، تشن الولايات المتحدة الأمريكية غزواتها الهمجية، لتسقط هذا النظام المقاوم، أو تدمِّر تلك الدولة، لتمسكها بثوابتها الوطنية، وتستخدم في غزواتها هذه كل ترسانتها الإجرامية، حتى المحرمة دولياً، ولعل ما جرى في هيروشيما، وناكازاكي، عندما استخدمت القنابل الذرية، وفي فيتنام عندما استخدمت السلاح الكيميائي، وتعمدها تشويه المدنيين الأبرياء، نتيجة استخدامها للغازات السامة، وحرق وهدم المدن على رؤوس أصحابها، وما جرى أيضاً في مدينة الرقة السورية، من استهدافها بقنابل الفوسفور المنضب وإبادة أهلها، هو شاهد حي، ووصمة عار لن تتمكن كل ماكينات الإعلام الأمريكية المضللة، وكل الكلام المعسول للساسة الأمريكيين، لا يمكن على الإطلاق، أن يمحوها من ذاكرة الأوطان الحية.
الدور الأمريكي العدواني في شن الحروب وتوتير العلاقات، وافتعال المشاكل والأزمات بين الدول، لم يعرف يوماً توقفاً، بل لم يأخذ استراحة، ولم يشعر الأمريكي حينها بأي تأنيب ضمير، بل نراه يزداد بين الفينة والأخرى صخباً، وعدوانية، ولعل الملف الإيراني، وأيضاً ما يجري في أوكرانيا، وتايوان حالياً، ودعم مجرمي الحرب الإسرائيليين في جرائم الإبادة التي يرتكبونها بحق الفلسطينيين العزل، هو خير مثال على كلامنا هذا.
ففي إيران لطالما سعت الولايات المتحدة إلى سوق الافتراءات، والمزاعم الكاذبة، لحرمان طهران من حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، بل لطالما عملت أمريكا على شيطنة إيران، وبذلت كل ما في وسعها لتأزيم العلاقات بين إيران وبين جوارها الخليجي، وأيضاً في أوكرانيا، لطالما كانت واشنطن هي السبب الرئيسي للحرب الدائرة في كييف، حيث أنها دفعت نظام الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى قاع الهاوية، ولا تزال تستثمر في الدم الأوكراني، لعلها بذلك تتمكن من لي ذراع موسكو العصية على الإذعان، وما ينطبق على طهران وكييف ينطبق أيضاً حيال تايوان، حيث نشهد بين الحين والآخر زيارات لمسؤولين أمريكيين للجزيرة، ليكون تأجيج النعرات الانفصالية هو محور الزيارة، وعنوانها الكبير، وليكون المساس بوحدة الأراضي الصينية، واختلاق مشاكل دموية للمساس بالتقدم الصيني هو العنوان الأمريكي الأكبر.
المرشح السابق في انتخابات مجلس النواب الأمريكي جيفري يانغ كشف المستور عندما قال: “كانت وكالة المخابرات المركزية أسوأ منظمة إرهابية في العالم منذ أن تأسست عام ١٩٤٧ ويجب إلغاؤها الآن”، مضيفاً أن السي آي إيه كانت ولا تزال السبب الرئيس لعدد لا يحصى من الحروب، والانقلابات، والأزمات، والاغتيالات في العالم، وبأنه لا نبالغ إن قلنا أن ضحايا هذه الوكالة تجاوز الملايين من البشر، مع أنهم لم يشكلوا أي تهديد على أمريكا التي تبعد آلاف الكيلومترات عن بلدانهم.
أما عن الهزائم المتلاحقة للأمريكيين في حروبهم الحالية، يقول دومينيك تييرني وهو المحرر المساعد في مجلة ذي أتلانتك، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة سوارثمور، عبارة ملفتة بأن: لدى الولايات المتحدة قوة أكبر، ولكن خصومها لديهم إرادة أقوى”.
الولايات المتحدة، ووفق محللين، أنفقت في حروبها العبثية أكثر من تريليوني دولار منذ هجمات أيلول عام ٢٠٠١، حتى الآن، وأنها قد استخدمت كل الأسلحة، والاستراتيجيات الناعمة، والوحشية على حد سواء، لتحقيق نزعتها الاستعمارية، ومع ذلك فإنها خرجت من كل حروبها مهزومة.