الثورة – ترجمة – ختام أحمد:
بينما نشهد انهيار الروايات السائدة المختلفة، لاسيما تلك المتعلقة بحرب الولايات المتحدة / الناتو مع روسيا في أوكرانيا، يجب على الأمريكيين البدء في إعادة تقييم فهمهم للقيادة الوطنية للولايات المتحدة، فمعظم المواطنين الأمريكيين ليس لديهم فكرة عن التفاوت الكبير بين ما تفعله حكومتهم في الخارج والقصص التي يسمعونها من أبواقها.
نتيجة لذلك، يدعم الأمريكيون عن غير قصد جميع أنواع العمليات الخارجية مع فهم ضئيل أو معدوم لما يجري بالفعل، فقد تمَّ تضليلهم لسنوات عديدة من خلال حملة دعائية متواصلة بدأت الآن في الانهيار.
نحن نشهد مخاض زوال هيمنة الولايات المتحدة أحادية القطب حول العالم، وبدأ المواطنون الأميركيون يدركون حجم خداع سياسة حكومتهم، ومن الصعب فهم الموقف العالمي المتغير للولايات المتحدة والتكيف مع آثاره السلبية المتزايدة لأميركا لدى العديد من الناس حول العالم.
منذ الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتيي كانت الولايات المتحدة هي القوة العالمية المهيمنة التي لا مثيل لها، وبدلاً من أن تكون جندياً لحفظ السلام وشرطياً عالمياً أميناً، أصبحت الولايات المتحدة وعلى نحو متزايد هي من تزعزع الاستقرار العالمي.
كان العديد من القادة في جميع أنحاء العالم مترددين في التحدث عن الطبيعة المدمرة للسياسة الخارجية الأمريكية خوفاً من التعرض للعقاب، ولكن مع تراجع مكانة الولايات المتحدة وقوتها، سعت أجزاء كبيرة من العالم إلى اتخاذ ترتيبات لحماية نفسها من النهب الأمريكي.
لا يفهم معظم الأمريكيين سبب حدوث مثل هذه التحالفات، وذلك بفضل تيار مستمر من الدعاية حول أمريكا بتصوير نفسها الأكثر كرماً، أو ما تسمي نفسها بـ”الأمة الاستثنائية” ، أو “الأمة التي تضع مصالحها جانباً لصالح العالم”، وأنها “مصدر مهم للخير” في جميع أنحاء العالم باعتبارها “حامي النظام الدولي القائم على القواعد والقوانين الدولية”، وتتحمل دائماً المسؤولية الثقيلة لحماية النظام الدولي والدول الضعيفة من الجهات الفاعلة السيئة، أمر يصل إلى حد الغثيان.
ووفقاً لعدد من المصادر، كانت الحروب التي سببتها الولايات المتحدة مسؤولة بشكل مباشر عن مقتل أكثر من 10 ملايين شخص منذ الحرب العالمية الثانية، ومعظم العالم يعلم أن هذا صحيح.
لا يستطيع معظم الأمريكيين قبول هذه الفكرة لأنها تتعارض مع الرواية التي قدمتها لهم آلة دعاية الدولة المنتشرة في كل مكان، في حين أن القائمة المتزايدة باستمرار من الجرائم الأمريكية في الخارج ظلت لسنوات دون منازع إلى حد كبير في الداخل، فقد أصبحت واضحة بشكل متزايد للكثيرين في جميع أنحاء العالم.
ويجب على الأمريكيين أن يأخذوا علماً على سبيل المثال، بما نشرته وزارة الخارجية الصينية عما تعتبره سوء تصرف أمريكي، لكن المؤسسة الأمريكية ترفض الملاحظات الصينية، التي تبدو حقيقة بالنسبة للكثيرين من الأميركيين الذين يعيشون خارج فقاعة دعاية المحافظين الجدد.
على عكس أساطير التأسيس، تشتهر الولايات المتحدة بالنكث بوعودها وانتهاك المعاهدات والتخلي عن الاتفاقات، والقائمة طويلة، فالولايات المتحدة وعدت عام 1990 بعدم توسع الناتو شرقاً إلى دول اتفاقية وارسو السابقة، وإلغاء معاهدات الصواريخ المضادة للصواريخ، وINF ، و Open Skies ، و START ، و JCPOA، والاتفاقية مع ليبيا، وغيرها، كما انتهكت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً القانون الدولي من خلال غزوها لدول لا ترضخ للهيمنة الأمريكية.
هناك عدد من الوكالات الأمريكية التي تمول سراً عمليات تدخل المنظمات غير الحكومية في الانتخابات، وليس لدى معظم الأمريكيين أي فكرة عن إنشاء الصندوق الوطني للديمقراطية في حقبة الحرب الباردة للتأثير على الانتخابات في البلدان حول العالم، حيث كان الصندوق الوطني للديمقراطية ينفق الأموال في روسيا حتى طردهم الروس، ثم هناك ” الثورات الملونة ” الشهيرة التي رعتها وكالات أمريكية مختلفة، ويقدر البعض أن الولايات المتحدة قد تدخلت في ما يصل إلى خمسين دولة.
يدخل العالم الآن في مرحلة انقلاب سيقرر فيها العديد من دوله أن الخضوع للهيمنة الأمريكية ليس في مصلحته، وقد انضمت أعداد متزايدة من الدول، وشكلت تحالفات بديلة خارج نفوذ الولايات المتحدة.
فقد شهدت منظمة شنغهاي للتعاون، وبريكس، وأوبك، ومنظمات أخرى عضوية متنامية، حيث إن هذه الدول تعتقد أن مصالحها محمية بشكل أفضل من خلال هذه التحالفات غير التابعة للولايات المتحدة.
لقد أدت تداعيات الحرب الأوكرانية المأساوية وغير الضرورية إلى تسريع هذه الحركة للبحث عن جمعيات وتحالفات أخرى، في الوقت نقسه يكتشف حلفاء أمريكا الأوروبيون وغيرهم أن هناك تكاليف سياسية واقتصادية ضخمة لربطهم بالولايات المتحدة، فقد شاهد سكان أوروبا اقتصاداتهم، وهم يعانون ويدفعون ثمناً باهظاً مقابل الطاقة بسبب الجولات العشر من العقوبات التدميرية المفروضة على روسيا.
فقد قررت الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها( شرطي العالم وحارسها) أن ألمانيا لا ينبغي أن تستورد الغاز الطبيعي الروسي الرخيص، فقد هدَّد الرئيس الأمريكي ومسؤول كبير في وزارة الخارجية بقطع خط الأنابيب الذي يمد الغاز الطبيعي الروسي إذا لم تذعن روسيا لرغبات واشنطن، فهل هذا من قبيل الصدفة؟. حيث تمَّ تفجير خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم بعد فترة وجيزة، وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية إن التخريب كان فرصة، وبدا مساعد وزيرة الخارجية راضياً، وقد يعتقد المحافظون الجدد الذين يشيدون بهذا العمل الإرهابي ضد حليف للولايات المتحدة بالتظاهر بأن واشنطن ليست مسؤولة عنه وهذا سوف يطمئن الشعوب في أمريكا وأوروبا، فكيف يمكن للشعوب الاعتقاد أن مثل هذه الجريمة يمكن أن ترتكبها الولايات المتحدة باعتبارها “الأمة الكريمة” ، أو “زعيمة العالم الحر” ، أو “الحامية للنظام العالمي “.
لسنوات، كانت هذه التناقضات يتم خداعها بمهارة وتجاهلها من قبل الصحافة المطيعة، والمؤسسات المتواطئة التي استفادت من هذه الخدع، ولكن نظراً لأن الولايات المتحدة تبدو أقل قوة، فإن بقية العالم بدأ ينتبه ويتحرك للبحث عن صداقات وقائية أخرى.
قبل أقل من عامين، تمَّ طرد “أقوى جيش في تاريخ الإنسان” من أفغانستان من قبل مجموعة من المتشددون المسلحين بالأسلحة الصغيرة والراكبين على ظهور الحمير والدراجات النارية، لكن الآن تمتلك طالبان معدات عسكرية أمريكية بقيمة 80 مليار دولار تركها قادة الجيش الأميركي وراءهم، قد تكون الأعذار مقنعة لنخب واشنطن، وقد تمَّ بيعها بقوة من قبل وسائل الإعلام المتحالفة مع النظام.
وعلى عكس التأكيدات العديدة بأن الروس سوف ينهارون من الصدمة والرعب جراء ما سموها بـ”عقوبات الجحيم” ولم يتحول الروبل إلى أنقاض كما توقع جو بايدن.
تنفد الذخيرة والأسلحة من الولايات المتحدة وعملائها في الناتو لإرسالها إلى أوكرانيا، التي يتم نزفها باللون الأبيض بناءً على طلبهم، ويبدو أن روسيا ستعمل بثبات على سحق الجيش الأوكراني، وكل هذا يذكرنا بالحرب العالمية الأولى التي أدعى فيها المحافظون الجدد الأوليون أن تلك الحرب عبارة عن اشتباك سريع سينتهي بحلول عيد الميلاد عام 1914، بعد أربع سنوات، 20 مليوناً لقوا حتفهم وجرح عدد أكبر أو نزحوا، بعد ذلك انهارت معظم الملكيات المسيحية الأوروبية، ومهدت تلك الحرب لمسرح الحرب العالمية الثانية الأكثر فظاعة.
بعد قرن من الزمن، نحن نسير نائمين نحو الحرب العالمية الثالثة، ما يجب على الأمريكيين تجاهل الدعاية التي ترعاها الإدارة (تشبه بشكل مخيف تلك التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى) والاستيقاظ والنظر إلى ما فعله قادتهم وعليهم فعل كل ما في وسعهم لإنهاء الدعم لهذه الحرب القاسية قبل أن نواجه حرباً عظمى تحرقنا جميعاً.
المصدر – أمريكان كونسرفاتيف