شاعر وقصيدة.. محمود درويش

الملحق الثقافي:          

في شهر آذارَ، في سَنَة الانتفاضة، قالتْ لنا الأرضُ
أسرارَها الدمويَّةَ: في شهر آذارَ مَرّتْ أمام
البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ، وقَفْنَ على باب
مدرسة ابتدائية، واشتعلن مع الورد والزعترِ
البلديّ، افتتحنَ نشيد التراب، دخلن العناقَ
النهائي – آذارُ يأتي إلى الأرض من باطن الأرض
يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسجُ مال قليلاً
ليعبر صوتُ البنات، العصافيرُ مَدّتْ مناقيرها
في اتّجاه النشيد وقلبي.
أنا الأرضُ
والأرضُ أنتِ
خديجةُ! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمسُ
بناتٍ، سقطن على باب مدرسةٍ ابتدائية، للطباشير
فوق الأصابع لونُ العصافيرِ، في شهر آذار قالت
لنا الأرض أسرارها.

2

أُسمّي الترابَ امتداداً لروحي
أُسمّي يديّ رصيفَ الجروحِ
أُسمّي الحصى أجنحة
أُسمّي العصافير لوزاً وتين
أُسمّي ضلوعي شجرْ
وأستلّ من تينة الصدر غصناً
وأقذفهُ كالحجرْ
وأنسفُ دبّابةَ الفاتحين.

3

وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاماً وخمس حروب،
وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.
أبي كان في قبضة الإنجليز، وأمي تربّي جديلتها
وامتدادي على العشب، كنتُ أُحبُّ «جراح
الحبيب» وأجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة،
مَرّ الرصاصُ على قمري الليلكيِّ فلم ينكسرْ،
غير أنّ الزمان يَمرّ على قَمَري الليلكيِّ فيسقطُ سهواً…
وفي شهر آذار نمتدُّ في الأرضِ
في شهر آذار تنتشرُ الأرضُ فينا
مواعيدَ غامضةً
واحتفالاً بسيطاً
ونكتشف البحرَ تحت النوافذ
والقمرَ الليلكيَّ على السرو
في شهر آذار ندخلُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حُبٍّ
وتنهمرُ الذكرياتُ على قريةً في السياج
وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجلِ
كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟
في شهر آذار ندخلُ أوّل حُبٍّ
وندخلُ أوّل سجنٍ
وتنبلجُ الذكرياتُ عشاءً من اللغة العربية:
قال لي الحبُّ يوماً: دخلتُ إلى الحلم وحدي فضعتُ وضاعَ بي الحلمُ، قلتُ تكاثرْ! تَرَ النهر يمشي
إليك.
وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.

4

بلادي البعيدةَ عنّي.. كقلبي!
بلادي القريبةَ مني.. كسجني!
لماذا أغنّي
مكاناً، ووجهي مكانْ؟
لماذا أغنّي
لطفلٍ ينامُ على الزعفران؟
وفي طرف النوم خنجر
وأُمّي تناولني
صدرها
وتموتُ أمامي
بنسمةِ عنبر؟

5

وفي شهر آذار تستيقظ الخيلُ
سيّدتي الأرضَ!
أيُّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموِّج، بعدي؟
وأيُّ نشيدٍ يلائمُ هذا الندى والبَخُورَ
كأنَّ الهياكل تستفسرُ الآن عن أنبياء فلسطينَ في بدئها المتواصل
هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارةِ
هذا نشيدي
وهذا خروجُ المسيح من الجرح والريح
أخضرَ مثل النبات يُغطّي مساميرَهُ وقيودي
وهذا نشيدي
وهذا صعودُ الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.
في شهر آذار تستيقظ الخيلُ.
سيّدتي الأرضَ!
والقممُ اللّولبيَّةُ تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ
بين الرماح وبين دمي.
نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوساً
ويلمعُ وجهي ووجهك حيفاً وعُرساً
وفي شهر آذار ينخفضُ البحرُ عن أرضنا المستطيلة مثل حصانٍ على وترِ الجنسِ.
في شهر آذار ينتفضُ الجنسُ في شجر الساحل العربيّ
وللموج أن يحبس الموجَ … أن يتموّجَ…أن
يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن
أرجوك – سيّدتي الأرضَ – أن تُسكنيني
صهيلَكِ
أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقيةِ
أرجوك – سيدتي الأرضَ – أن تُخْصبي عُمْريَ المتمايلَ بين سؤالين: كيف؟ وأين؟
وهذا ربيعي الطليعيُّ
وهذا ربيعي النهائيُّ
في شهر آذار زوُّجتُ الأرضُ أشجارها.

6

كأنّي أعودُ إلى ما مضى
كأنّي أسيرُ أمامي
وبين البلاط وبين الرضا
أُعيدُ انسجامي
أنا ولدُ الكلمات البسيطة
وشهيدُ الخريطة
أنا زهرةُ المشمش العائليَّة.
فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل
من البدء حتّى الجليل
أعيدوا إليّ يديَّ
أعيدوا إليّ الهويَّة!

7

وفي شهر آذار تأتي الظلال حريريةً والغزاةُ بدون ظلالٍ
وتأتي العصافيرُ غامضةً كاعتراف البنات
وواضحةً كالحقول
العصافيرُ ظلُّ الحقول على القلب والكلمات.
خديجةُ!
أين حفيداتك الذاهباتُ إلى حبِّهن الجديد؟
ذهبن ليقطفن بعض الحجارة
قالت خديجةُ وهي تحثُّ الندى خلفهنّ.
وفي شهر آذار يمشي التراب دماً طازجاً في الظهيرة…
خمسُ بناتٍ يخبّئنَ حقلاً من القمح تحت الضفيرة…
يقرأن مطلع أنشودةٍ على دوالي الخليل، ويكتبن
خمس رسائل:
تحيا بلادي
من الصّفْرِ حتّى الجليل
ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.
خديجةُ! لا تغلقي الباب خلفك
لا تذهبي في السحاب
ستمطر هذا النهار
ستمطرُ هذا النهار رصاصاً
ستمطرُ هذا النهار!
وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض
أسرارها الدّمويّةَ: خمسُ بناتٍ على باب مدرسة
ابتدائيَّةٍ يقتحمن جنود المظلاّت، يسطعُ بيتٌ
من الشعر أخضرَ… أخضر، خمسُ بناتٍ
على باب مدرسة ابتدائية ينكسرن مرايا مرايا
البناتُ مرايا البلاد على القلبِ..
في شهر آذار أحرقت الأرضُ أزهارها.

8

أنا شاهدُ المذبحة
وشهيدُ الخريطة
أنا ولدُ الكلماتُ البسيطة
رأيتُ الحصى أجنحة
رأيت الندى أسلحة
عندما أغلقوا باب قلبي عليّا
وأقاموا الحواجز فيّا
ومنع التجوُّل
صار قلبي حارةْ
وضلوعي حجارةْ
وأطلّ القرنفل
وأطلّ القرنفل

     العدد 1138 –  28-3-2023

آخر الأخبار
أنشطة خدمية وجولات ميدانية لتحسين واقع الحياة في مدينة سراقب الصالح يبحث مع يرلي كايا تعزيز التعاون في إدارة الكوارث منتدى الاستثمار  السوري – السعودي ينطلق في دمشق.. وزير الإعلام:  سوريا تربة خصبة وسوق واعدة للاستثم... منتدى الاستثمار السوري السعودي.. خطوة كبيرة في مسار الانفتاح الاقتصادي عمر الحصري رئيس هيئة الطيران المدني بعيد تكليفه: أتعهد بإطلاق منظومة طيران آمنة وفعالة المنتدى السوري السعودي يؤسس لشراكة نوعية.. وزير الإعلام: 44 اتفاقية بقيمة 6 مليارات دولار القطاع التأميني يتحرّك.. لجنة فنية وملتقى دولي وتدريب حديث مرسوم رئاسي بتعيين شادي سامي العظمة رئيساً لهيئة التميز والإبداع تعزيز التنسيق في إدارة الطوارئ.. زيارة رسمية لوفد وزارة الطوارئ السورية إلى أنقرة التوسع باختصاصات الصيدلة ودعم الخريجين في الشمال مرسوم رئاسي بتعيين عمر الحصري رئيساً للهيئة العامة للطيران المدني قيمة تأسيسية في مسار بناء الوعي.. التطوع جوهر الشراكة المجتمعية "توب بلاستيك" قصة نجاح من غازي عنتاب إلى حسياء الصناعية يعكس ثقة استثمارية سعودية متزايدة.. إطلاق أول مصنع للإسمنت في سوريا "حمزة لم يحمل سوى شارة الإنسانية".. قلق متصاعد بعد اختطاف متطوع  الدفاع المدني بالسويداء العمل على إصدار تعرفة نقل منصفة.. 20 باص نقل داخلي في طرطوس حلب تستعيد نبضها.. مشاريع تعافٍ وأمل بالعودة الآمنة للمهجرين في مشهد تفاقمها.. تحديات تعيق الاستثمارات في النفايات دخول قافلة مساعدات إغاثية لمحافظة السويداء أول مشروع لصناعة الإسمنت الأبيض في سوريا.. اطلاق مصنع "فيحاء" للاسمنت بعدرا