هفاف ميهوب:
كلّما تقدّم بنا الألم، شعرنا بأن لاشيء قادر على إضحاكنا، وعلى ملامسة احتياجاتنا ومعاناتنا.. شعرنا أيضاً، بأن الزمن الجميل لكوميديا الأعمال الرمضانية، قد بات من الماضي الذي رحل، وأخذ معه كلّ ما بإمكانه رسم الابتسامة على وجوهنا، ولو للحظاتٍ تُخمُد فيها بعض أوجاعنا اليومية..
يا تُرى ما السبب، بل ما الأسباب التي أدّت، ورغم التطوّر الكبير لوسائل وأدوات العمل الدرامي، لغيابِ هذه الأعمال، بل ولعجزِ قليلها مما كان يُعرض، واليوم نشعره انقرض، عن تقديم ولو عملٍ واحدٍ، بإمكانه دغدغة مشاعرنا وردّ بعض التجهّم عن وجوهنا؟!!..
سؤالٌ، لا أعتقد بأنه يليق بنا إطلاقه، في زمنٍ باتت لا تقدّم لنا تكنولوجيا فضائه الهائل، إلا الدراما السوداء.. دراما الواقع الذي بات مسكوناً بالحرب والدمار والأوبئة والحصار والاحتضار.. دراما الفساد والشواذ والاقتتال، والسعي للشهرة ولو على حسابِ المُشاهد الذي بات يُدرك، بأن لا أهمية لرأيه أو موقفه، أمام ما يُعرض من أعمال..
نعم، لم تعد الكوميديا تنتصر لأحاسيسنا ورغباتنا، لم تعد قادرة على إيجادِ من يستيقظ مرحاً، ليوقظ بقلمهِ أو أدائه ما غُيّب من ابتسامتنا..
لم تعد قادرة على دغدغة أوقاتنا بـ»صح النوم» ولا على تنظيف أذواقنا بـ»حمام الهنا».. لم تعد تشغلنا وتُبهرنا بـ» مقالب غوار»، ولا تجبرنا على انتظار الفرح بعودته.. عودة عرض الكوميدي الحقيقي، كي لا يتكرّر المُقيت والمُفجع والكارثي..
للأسف، نشعره لن يعود، ومُذ فرضت «عتمة الحياة» وظلام أفكارِ قاتليها، أن تكون وسائل التواصل هي وسيلتنا الوحيدة، لمتابعة الدراما التي شغلتنا بمصالحِ وسياسةِ القائمين عليها.
حتماً، الأمر لم يعد يتعلّق بكتّاب الأعمال الكوميدية فقط، ولا حتى بالممثلين أو المشاهدين.. أعتقد بأنه يتعلق بكلّ هؤلاء لطالما، الوجع المُعاش يعنيهم جميعاً، والرديء من الأعمال استشرى، وأردى الجيد صريعاً..
بيد أن السبب الأكبر، هو شعور المشاهد باللاجدوى من أيّ شيء، في ظلّ صراعه اليومي مع الحياة، ومع الضغط النفسي القاتل الذي أنهكه وزاده بؤساً، أضيف إلى البؤس الذي سبّبه له، كلّ من أفقده القدرة على تلبية أبسط الاحتياجات..
كلّ ذلك وسواه، من مخلّفات الحرب التي كان أخطر ما نجم عنها، التردّي الأخلاقي والإنساني والفكري، وتسليع حتى الدراما التي يُفترض بأنها، الوجبة الأهم في مضمونها وهدفها الاجتماعي والإنساني..
لا شكّ أن كلّ ما ذكرناه، وغيره الكثير الكثير، هو ما يجعلنا جميعاً، كتّاب دراما وممثلين ومخرجين ومشاهدين، بحاجة عارمةٍ لبكاءٍ لا ينتهي، إلا بانتهاءِ ما نعيشه وأدّى، إلى تجهّم الواقع الذي لم يعد يضحك أبداً، ولا حتى بات قادراً على إضحاكنا..