لميس علي:
ذكر أحد النقاد أننا نميل إلى مشاهدة ومتابعة البطل الدرامي، لأننا نشتاق لاشعورياً، في الطبقات العميقة من لاوعينا، إلى الأسطورة، بما فيها من أحداث بطولية تمجّد سيرة البطل الخارق.. وبالتالي ننحاز إليه..
فكيف إن كان بمقاييس تؤهله لإكساء دور البطولة الشيء الكثير..
تماماً هي عادة النجم السوري تيم حسن في تعامله مع عديد الأدوار التي أدّاها.. و(عاصي الزند) أحدها وأحدثها.. الشخصية التي يلعبها في عمل (الزند، ذئب العاصي).. الذي استطاع منذ حلقاته الأولى أن يكون علامة فارقة ضمن مختلف الأعمال السورية لهذا الموسم الرمضاني.
إلى الآن.. بعد مضي سبع حلقات من العمل، يحافظ على ذات (الرتم) في صيد انتباهنا وحماسنا.
كيف استطاع فريق العمل وعلى رأسهم المخرج سامر البرقاوي تحقيق ذلك..؟
توطئة المقدمة بما اشتملت عليه من جماليات كانت كفيلة بكونها عتبةً أولى لشدّ المتلقي.
أغاني (تتر) البداية والنهاية، واللتين تمّ نشرهما بكثرة، حصدتا تداولاً وإقبالاً يختزل الكثير من «الجمال»..
ومواطن الجمال في العمل تبدأ من هاتين الأغنيتين ولا تقف عندهما..إضافة لكونهما حققتا انتشاراً لنمط (العتابا الشروقية) وعتابا منطقة الغاب.. بمعنى آخر أعادت التذكير بهذا النوع من التراث السوري اللامادي.
ألم يحتفل العمل كذلك بالجغرافيا السورية إن كان بصرياً أو لفظياً..؟
تحتشد في «ذئب العاصي» جماليات الطبيعة المحلية متنقلاً بين تكاوين مختلف البيئات السورية «حمص، حماة، طرطوس، اللاذقية، دمشق»..
فثمة ازدحام لسحر (صورة) قلما نلحظه في أعمالنا تمتلئ بها كوادر البرقاوي..
وحتى تجاور اللهجات يبدو عاملاً إضافياً لشدّ انتباهنا لمدى اتساع الفسيفساء السورية وغنى تنوعها.
كل هذا ولم نتحدث بعد لا عن النص وموضوعته.. ولا عن الأداء.. ولا حتى عن خيارات الإخراج للممثلين.. الذين بدوا بمجموعهم كلاً متكاملاً يسند البطل.. وأحياناً أخرى نجح بعضهم برسم ملامح بطولة على مقاس دوره وظهوره.. كما (مجد فضة) المُجيد بقوة لدور صالح.. و(أنس طيارة) صاحب الحضور المميز بأداء الشخصية الأكثر شراً في العمل.
للصراحة.. يظهر (الزند، ذئب العاصي) كتحفة فنية تمتلئ بأداءات غاية في الإتقان.. فجميع الشخصيات بدت وكما لو أنها ترتدي ملامح تَميّزها وواقعيتها، من هؤلاء: باسل حيدر، طارق السايس، الفرزدق ديوب.. وأسماء شابة كثيرة ساهمت بتلوين الصيغة الجمالية التي يتقن البرقاوي فن إخراجها كأجمل ما تكون عليه ملحمة درامية بصرياً وأدائياً..
والملاحم تحتاج، إلى جانب كل هؤلاء الأبطال، إلى بطلٍ محوري من نوع خاص يضيف إليهم ويضيفون إليه..
وتماماً يبدو بطل الزند (تيم حسن) من هذا النوع من الممثلين الذين يتشاركون الأداء الحقيقي مع من يقف قبالتهم.. وبسبب ذلك ظهرت ثنائيته مع مجد فضة ذات جاذبية خاصة..
وكأنه لا يتقن إكساء شخصيته لحماً ودماً فقط، بل يتلبّسها وتتلبّسه لدرجة نغدو معها قادرين على تمييز رائحة حضورها.. فيرتديها معنوياً بما يوازيها بصرياً.. ولأجل ذلك يبدو كمن ينقل عدوى هوسه بخلق شخصية من لحم ودم ليس إلى من يقف قبالته وحسب، بل يمتد تأثيره إلى بقية طاقم العمل..
وهي حالة يستثمرها البرقاوي ويزيد من ألقها عبر كاميراه التي نجحت دائماً بالتقاط مواطن قوة بطله، إن كان في سلسلة «الهيبة» والآن في «الزند»..
مع أن (حسن) يدرك سلفاً أن نوعاً من مقارنة سيطال شخصيتيه في العملين، ولهذا يظهر، إلى الآن، مبدعاً في خلق ملامح تمايز بينهما..
مع أن سمات عامة من الاختلاف للشخصيتين تبدو واضحة، لكن سمات البطل الدرامي في كلاهما تتقارب.. وهو التحدي الأصعب الذي يدركه (حسن).. نتمنى أن ينجح به إلى نهاية العمل الذي يظهر حتى حلقته السابعة (زنداً) للأعمال السورية التي تُعرض حالياً.. العمل/العضلة الأقوى بينها.