الثورة – رنا بدري سلوم:
“هذا لك، أيّها المسافر لتعرف كم يوجد في هذه الحياة.. أوهام”.. الجملة الأولى التي نقرؤها في كتاب “عشر حكايات من اليابان”، استند مضمونها إلى الأدب القديم ومصادر التيارين الثقافيين البوذيّة والشنتويّة، ففي رواية القصص والحكايات اليابانية، يمكن للمرء أن يكتشف كوناً زاخراً بالغموض غير المحسوس، وقوة داخليّة جبّارة بالتركيز على الرّوح أو كما يقال في الغرب “الفضيلة” وكذلك المعاني والقيم الأخلاقيّة، فضلاً عن إحساس عميق لجمال العالم الطبيعي، في الواقع.
إنّ الجمال في هذه القصص يمكن أن يكون غاية في حدّ ذاته، أو ربما قوة خارقة، قد يحصل أن يكون بيّتاً شعريّاً أو لحناً موسيّقياً أو حركة انحناء ورقة شجر، أو ربما ارتفاع موجة بحر ونزولها، وقد يكون وجهاً خفياً يطاردنا لسنوات طوال في بعض الأحيان، إن الحكايات اليابانيّة، تكشف عن وعي حاد بجمال الحياة الهارب والمّهوْس معاً.
فالكثيرمن الحكايات اليابانيّة الأعلى روحانيّة كتلك التي تمثّل على خشبة مسرح نوّ هي قصص أشباح لكنّها عكس قصص الأشباح المألوفة لدى الغربيين، فهدفها ليس التخويف بل على العكس تماماً، إنها تهدف إلى جعلنا ندرك ونلمس بأيدينا غموض الحياة، وتذكّرنا بحقيقة أن كلّ شيء ما هو إلا حلم – شبح.
تعود حكايات هذا الديوان وهي “الشعر الأسود، الصبي الذي كان يرسم قططاً، هديّة الضفدع، صنوبر آكويا، الطائر الفتاة، كوجي، امرأة الثلج، هويتشي الأصلمُ، سولفير، أوراشيماتارو”، تعود بالفضل إلى الكاتب لافكاديو هيرن، أمريكي الجنسية، الذي ذهب إلى اليابان١٨٩٠، وقضى بقيّة حياته هناك، إذ تزوّج امرأة يابانيّة، وبعد مدة من الزمن، بدأ يجمع أهم القصص المثيرة التي تقشعر لها الأبدان.
فاليابان وكما كتب في الغلاف “ليست بلد الساموراي الآسر فحسب ،بل هي جزيرة الشعر والأحلام، إذ نجد فيها قصصاً مثل قصة ذلك الرسّام الماهر الذي يرسم لوحات تكاد تنطق بالحياة وتضج بها على الرغم من كونها مجرد رسومات لا أكثر، كما نقرأ أيضاً قصّة عن الفتاة التي تقتلها الكآبة حين تعلم أن الشجرة التي تحمل اسمها قد اقتلعت، تتحد الطبيعة والفانتازيا لتشكّل كلا واحداً في هذه القصص”.
تنفخ الحكايات نسيماً منعشاً على خيالنا المحموم والمشحون بالحرارة كثيراً وفقاً للكاتب راف مارتان مؤكداً أنه كثيراً ما يعود إلى تلك الحكايات ليستمتع بها وليشاركها مع الآخرين، ولم يفشل يوماً جمالها البارد في إشعال جذوة مخيّلته ومخيّلة من يسمعها، بينما كانت تروى الحكايات الغربية بأعمالها البطوليّة تحت أشعة الشمس الساطعة ودفئها، تروى الحكايات اليابانيّة تحت ضوء القمر الخافت.
كتاب “عشر حكايات من اليابان” تأليف راف مارتان ترجمة عبلة العطار، صدر حديثاً ضمن سلسلة المشروع الوطني للترجمة، عن الهيئة العامة السّورية للكتاب.