الثورة – عبير علي:
في إحدى زوايا معرض دمشق الدولي، حيث تتداخل الأصالة مع النغمات الساحرة، يلفت انتباه الزوار جناح المهندس فراس السلكا. هنا، تتجمع حرفة صناعة الأعواد مع لمسة من الإبداع الحديث، في مشهد ساحر يجذب الأنظار ويشعل الحماس.”عندما يجتمع التراث والأصالة، يكون للصوت جمال خاص،” يقول بفخر وهو يتأمل أعواده المُعَدّة بعناية.
يُعتبر السلكا أحد أبرز الأسماء التي تجمع بين الحرفة اليدوية والعلم في مجال الموسيقا. يسعى هذا المُبتكر المتخصص في صناعة الأعواد إلى دمج جوانب العلم والتكنولوجيا مع الحرف التقليدية، مما يفتح آفاقاً جديدة لفن العود، ويتجاوز ما هو متعارف عليه في هذا المجال.
بفضل شغفه بابتكار أعواد تجمع بين الشكل العصري والصوت التقليدي الأصيل، يعمل على تطوير نماذج موسيقية فريدة تتسم بالجودة العالية، إن سعيه لتحسين التصميمات واستخدام المواد الحديثة لا يأتي على حساب الأصالة، بل يعزز منها، مما يُعيد للحضور ذكريات عظمة فن العود الذي يحمل في طياته عبق التاريخ. يسعى السلكا إلى تقديم أعواد موسيقية ليست مجرد آلات، بل قصص حيّة تعكس التراث الثقافي الغني. تُعتبر عباراته: “أنا لا أصنع عوداً وحسب، بل أريد أن أصنع تجربة موسيقية كاملة” تجسيداً لرؤيته العميقة، من خلال استخدام تكنولوجيا التصنيع المتطورة وتقنيات النمذجة، يتمكن من تحقيق توازن مثالي بين الشكل والمضمون، مما يجعل كل عود يعكس شخصية فريدة وينقل طابعاً موسيقياً خاصاً.بهذه الطريقة، يضمن أن يظل إرث فن العود حياً، مستمراً في التطور، ومتجاوزاً الحدود الزمنية والمكانية، ليكون نقطة التقاء بين مختلف الأجيال والثقافات.
وسط الزحام، تتصاعد أنغام العازف الوسيم وسام ملحم، الذي يعزف على جميع هذه الآلات مثل العود والغيتار والبزق والبيانو، ولكنه في المعرض يركز على آلة العود ليأخذ الزوار في رحلة موسيقية مبهجة. ورغم كونه طالباً في مجال هندسة المعلوماتية، فقد أسس مدرسته الخاصة لتعليم آلة العود.تتراقص نغمات الألحان في فضاء المعرض، متوافقة مع الإبداعات الفنية، لتأسر قلوب الحضور.
يقول :”لقد استطعت أن أطرب رواد المعرض وأترك بصمة واضحة،” حيث يتجمع الزوار حوله ويزداد الإقبال على الاستماع، مما يجبرهم على التوقف بعد 15 دقيقة نتيجة الاكتظاظ والتدافع.
ويعبر السلكا عن إعجابه بوسام قائلاً: “إنه عازف من الطراز الرفيع، وموهبته نادرة”. متحدثاً بفخرعن رؤيته للجيل الجديد من الأعواد: “أعوادنا الحديثة، المصنعة لعام 2025، تحمل روح الصوت القديم مع تحسينات جمالية في الشكل وتسهيلات بالعزف.
” كما يشير إلى دور الأعواد التاريخية مثل أعواد سنباط بادروسيان وجورجي النحات، والتي تتجاوز أعمارها 75 عاماً لتكون شاهداً على تطور هذا الفن العريق.”إننا نثبت من خلال عملنا أن العود السوري يمكن أن يحافظ على الأصالة وصوته الرخيم الطربي مهما أحدثنا من تغييرات في التصميم،” يضيف السلكا بابتسامة واثقة، موضحاً أن مشاركة فريقه في المعرض حققت نجاحاً كبيراً.
لاشك أن المشاركة في معرض دمشق الدولي كانت من أنجح تجاربهم، حيث تلقى جناحهم تفاعلاً غير مسبوق. وعندما يلتقي الفن والتراث، يُصنع التاريخ في كل نغمة وكل تفصيلة، مُحدِثةً أثراً مستداماً في قلوب الزوار وزيادة الوعي بأهمية الحفاظ على الهوية الفنية للماضي.بفضل هذا النهج، يُعيد فراس السلكا إحياء فن العود ويعزز من دوره في المشهد الموسيقي الحديث، حيث يشجع الشباب على احتضان هذا التقليد العريق مع تحولات تتماشى مع متطلبات العصر الحديث، إن عمله لا يقتصر فقط على صناعة أدوات موسيقية، بل يُعتبر جسراً بين الماضي والمستقبل، يُعيد لفن العود مكانته في الحياة المعاصرة، ويُعزز من شغف الجيل الجديد بالموسيقا التقليدية.