“ذاكرة الغد”.. مسرح يستعيد الحلم ويكتبه على أرض مدينة معارض دمشق

الثورة – حسين روماني:

تختلط أصوات الحشود بألوان الأجنحة وعبق الكتب القادمة من أصقاع الأرض في قلب معرض دمشق الدولي، هناك حيث يطل المسرح هذا العام بلغة مختلفة. العرض المنتظر مساء اليوم يحمل عنواناً لا يخلو من الشاعرية: “ذاكرة الغد”، وهو عنوان يوحي منذ اللحظة الأولى بقدرة الفن على ربط الحلم بالواقع، والذاكرة بالمستقبل، والجرح بالأمل.

ليست المسرحية مجرد حدث فني عابر، بل امتداد لحكاية بدأت قبل ثلاثة أشهر من تحرير دمشق، يوم عُرضت مسرحية “حُلُم” في إدلب، وسط أجواء مشبعة بالترقب والأمل، وحضرها السيد الرئيس أحمد الشرع الذي لم يتمالك دموعه وهو يشاهد مشهداً يتنبأ بالتحرير.

منذ تلك اللحظة، تحوّل مشهد “حُلُم” إلى ذاكرة جمعية لدى السوريين، ذاكرة تحرس الحلم وتبقيه حياً حتى تحقق بالفعل. واليوم، تعود هذه اللحظة مجدداً إلى الخشبة، لكن بقراءة جديدة، تحمل اسماً آخر: “ذاكرة الغد”. كأنّ المسرحيين أرادوا أن يقولوا: إن الحلم الذي كان يُعرض كاحتمال صار الآن جزءاً من الماضي، وما ينبغي التفكير فيه اليوم هو الغد: كيف نبنيه، وكيف نصونه، وكيف نحافظ على ما تحقق.

المخرج طارق سواح، الذي يقود العمل برؤية إخراجية متماسكة، يصف المسرحية بأنها دعوة للحب. لكن الحب هنا لا يطل كشعارٍ إنشائي، بل كفلسفة حياة، وكأداة وحيدة قادرة على لملمة التشظي الذي خلّفته سنوات الحرب. يقول للثورة: “نريد أن نعمر البلد بالحب، فمن يحب جاره يعمّر حارته، ومن يزرع الحب في قلبه يغرس بذور التسامح في مجتمعه.” تلك الجملة تختصر رؤية العمل: ليس هناك أقليات أو أكثريات، بل مجتمع واحد يواجه تحدياته إما بالخراب أو بالبناء، إما بالكراهية أو بالمحبة.

مسرحية “ذاكرة الغد” تنسج خيوطها على أكثر من مستوى. فهي تستعيد الماضي القريب من خلال الإحالة إلى “حُلُم”، العمل الذي سبق التحرير ورسم لحظة منتظرة تحولت إلى واقع. وهي في الوقت نفسه تطل على المستقبل، عبر التساؤل عن شكل الغد الذي يليق بسوريا بعد أن عبرت المحنة. هنا تكمن قوة المسرح: أن يحاور الأزمنة جميعها، وأن يضع المتفرج أمام مسؤولية التفكير بما جرى وبما سيأتي. لا عجب أن يصف الممثل حسام الشاه، الذي يشارك في البطولة، الرؤية المسرحية بأنها بحث عن “معنى الوجود في لحظة ما بعد الحرب”، حيث يكون الفن قادراً على إعادة تعريف العلاقة بين الفرد والوطن.

العمل كتبه أحمد الأحمد، وهو نص يستند إلى لغة شاعرية من دون أن يفقد حساسيته الاجتماعية. النص يتوزع بين لوحات درامية تضيء على الذاكرة، وأخرى تحتفي بالحاضر، وثالثة تُطل على المستقبل برهافة لا تخلو من النقد. في الأداء، يلتقي على الخشبة عدد من الممثلين السوريين المعروفين: حسام الشاه، حسين سرية، عهد ديب، مصطفى شحود، لميس عباس، سليمان قطان، إضافة إلى الطفل آدم سواح وآخرين.

هذا التنوع في الأجيال يعطي العرض بعداً آخر، إذ يربط بين ذاكرة الممثلين الكبار وتجربة الجيل الصاعد، كأن المسرحية نفسها جسر يربط الماضي بالغد.

وإذا كان حضور الرئيس أحمد الشرع في مسرحية “حُلُم” قبل التحرير بثلاثة أشهر وتأثره بها قد شكل علامة فارقة في الذاكرة، فإن عودة هذا المشهد بصياغة جديدة على خشبة معرض دمشق الدولي تضيف طبقة من الرمزية. الجمهور هذه المرة لن يشاهد مجرد حلمٍ يتنبأ بالتحرير، بل سيشاهد حكاية عن كيفية تحويل الحلم إلى مشروع حياة. هنا يكتسب العنوان قيمته: “ذاكرة الغد” ليست مجرد استدعاء لماضٍ قريب، بل هي أيضاً محاولة لتخيّل المستقبل انطلاقاً من تلك اللحظة المفصلية.

من الناحية الجمالية، يتوقع أن يعتمد العمل على لغة بصرية تزاوج بين الرمز والواقعية، حيث تتجاور صور الخراب مع صور الإعمار، وصور الألم مع صور الفرح، في مقاربة تتيح للمشاهد أن يرى كيف يظل الحب خيطاً ناظماً مهما اشتدت العواصف. هذا الخيط هو ما يجعل العرض في النهاية احتفالية بالإنسان السوري وقدرته على النهوض من تحت الركام. وهو أيضاً ما يجعل المسرح، مرة أخرى، مرآةً للمجتمع وضميره اليقظ.

يختلف “ذاكرة الغد” عن غيره من العروض التي اعتادت أن تستعيد الحرب بوصفها مأساة محضة. فالعمل لا ينكر الألم ولا يتجاهل الخسارات، لكنه يصر على أن يضع الحب في قلب الحكاية. ولعل هذه النقطة بالذات تمنحه فرادته: أنه يخرج من إطار المأساة إلى أفق الفرح، ومن أسر الحزن إلى فضاء الأمل. في زمن تتنازع فيه السرديات حول ما جرى وما يجب أن يجري، يأتي المسرح ليقترح سردية ثالثة: سردية الحياة.

وليس من المبالغة القول :إن “ذاكرة الغد” يشكّل حدثاً ثقافياً بارزاً في الدورة الحالية من معرض دمشق الدولي.

فالمعرض لم يعد مجرد سوق تجاري أو مساحة للكتب والمنتجات، بل صار أيضاً منصّة للفن الحي، حيث يجد المسرح مكانه بين الموسيقا والتشكيل والسينما.

هذا التعدد في الفنون يثري المشهد، ويجعل من حضور العرض حدثاً جامعاً، تتقاطع فيه الأسئلة الفردية والجماعية، الخاصة والعامة، السياسية والإنسانية.

آخر الأخبار
الاحتلال يتمادى بعدوانه.. توغل واعتقال 7 أشخاص في جباتا الخشب بريف القنيطرة  تحضيرات في درعا لمشاريع تأهيل مرافق مياه الشرب والصحة والمدارس  حريق كبير يلتهم معملاً للكرتون في ريف حلب الغربي  حضور لمنتجات المرأة الريفية بالقنيطرة في "دمشق الدولي" واشنطن وبكين.. هل تتحول المنافسة الاقتصادية إلى حرب عسكرية المجاعة في غزة قنبلة موقوتة تهدد الأمن العربي "إسرائيل" تخسر معركة العلاقات الدولية وتفقد قوة لوبيها بالكونغرس ماكرون: ممارسات "إسرائيل" في غزة لن توقف الاعتراف بدولة فلسطين الذكاء الاصطناعي شريك المستقبل في تطويرالمناهج التعليمية إطلاق مشروع إعادة تأهيل محطة مياه "بسيدا" في معرة النعمان الانتخابات التشريعية.. محطة مهمة في بناء مؤسسات الدولة وتوسيع المشاركة الوطنية  أيقونة الصناعات الدوائية.. "تاميكو" تبرز في معرض "دمشق الدولي" محافظ إدلب يناقش مع جمعية عطاء مشاريع التنمية وترميم المدارس عروض مغرية لا تجد من يشتريها.. "شعبي أو خمس نجوم": أسعار الخضار والفواكه تحلق السويعية تنهض من جديد.."حملة العزاوي للعطاء" ترسم ملامح الأمل والبناء استراتيجيات لمواجهة الجفاف وحماية الإنتاج الزراعي والحيواني في طرطوس صيانة مستمرة لواقع الشبكات وآبار المياه في القنيطرة مرسوم ترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة خطوة نوعية لتعزيز جودة التعليم المدينة الصناعية في الباب.. معجزة صناعية تنهض من تحت الركام ملفات التعثّر من عبء اقتصادي إلى فرصة لاستدامة النمو المالي