الثورة – خاص:
جاء القرار الأميري للشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، برقم (44) لسنة 2025 المتضمن تعيين “خليفة عبدالله سعد آل محمود الشريف” سفيرًا “فوق العادة” ومفوضاً لدى الجمهورية العربية السورية، كخطوة وُصفت بأنها تحول دبلوماسي مهم يعيد العلاقات بين الدوحة ودمشق إلى مستواها الكامل بعد انقطاع دام أكثر من 14 عاماً.
يحمل لقب “سفير فوق العادة ومفوض” في العرف الدبلوماسي أعلى مرتبة في السلك الدبلوماسي، إذ يمنح حامله صلاحيات كاملة لتمثيل بلاده والتحدث باسم رئيسها في الدولة المضيفة، ما يعني أن القرار الأميري يعيد العلاقات القطرية – السورية إلى مستواها السيادي الأعلى بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية.
ويمثل هذا التعيين اعترافاً رسمياً كاملاً من الدوحة بالحكومة السورية، وخطوة عملية باتجاه تطبيع شامل للعلاقات، وتوسيع مجالات التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.
ويتمتع السفير خليفة آل محمود الشريف بخبرة دبلوماسية رفيعة، إذ شغل سابقاً منصب مدير إدارة الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية، كما عمل في مكتب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية بدرجة مستشار ثم وزير مفوض، إلى جانب مهامه في سفارتي قطر لدى البرتغال وجنوب أفريقيا، وتوليه إدارة الشؤون العربية بدرجة سكرتير أول.
يمثل هذا القرار نقطة تحول في العلاقات السورية – القطرية، ويأتي في إطار التقارب العربي المتسارع مع دمشق بعد مرحلة طويلة من العزلة السياسية في عهد النظام المخلوع، إذ يشكّل عودة قطر إلى الساحة السورية عنصر توازن في الجهود العربية الرامية إلى إعادة دمج سوريا في محيطها الإقليمي والدولي.
كما تعكس الخطوة رؤية قطرية جديدة تقوم على الانفتاح والحوار، مع التركيز على المشاركة في إعادة الإعمار والمشاريع الإنسانية والتنموية، خصوصاً أن قطر تمتلك خبرة واسعة في العمل الإغاثي والمبادرات التنموية على الصعيدين العربي والدولي.
وبتعيين السفير خليفة آل محمود الشريف، تكون الدوحة قد أرسلت أول سفير لها إلى دمشق منذ عام 2011، ما يؤشر إلى رغبة واضحة في ترميم العلاقات الثنائية وتوسيع التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، ويؤسس لمرحلة جديدة عنوانها التفاهم والشراكة الإقليمية، عقب سقوط نظام بشار الأسد.
ومنذ بدء الحراك الشعبي في سوريا عام 2011، اتخذت دولة قطر موقفاً حازماً ومبكراً ضد نظام بشار الأسد، وكانت من أبرز الدول العربية التي دعمت الحراك سياسياً وإعلامياً وإنسانياً، مطالبةً بإنهاء القمع وفتح الباب أمام انتقال سياسي يعبّر عن إرادة الشعب السوري.
وخلال سنوات الحرب، لعبت الدوحة دوراً محورياً في التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية الهادفة إلى محاسبة النظام على الانتهاكات التي ارتكبها بحق المدنيين، كما احتضنت مؤتمرات عدة للمعارضة السورية، وقدّمت دعماً واسعاً للجهود الإنسانية والإغاثية في المناطق المتضررة.
ومع مرور السنوات وتبدّل المشهد الإقليمي، حافظت قطر على موقفها الثابت الرافض للتطبيع مع نظام الأسد ما لم يتحقق حل سياسي عادل وشامل وفق القرارات الدولية، مؤكدة أن عودة العلاقات يجب أن ترتبط بضمان حقوق السوريين ومساءلة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت بحقهم.
غير أن التطورات الأخيرة في سوريا، وسقوط نظام الأسد المخلوع، وبدء مرحلة سياسية جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، دفعت الدوحة إلى إعادة النظر في علاقاتها مع دمشق، في سياق موقف عربي جماعي لإعادة دمج سوريا في محيطها الإقليمي ودعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.
ويُنظر إلى تعيين السفير خليفة آل محمود الشريف كأول سفير قطري في دمشق منذ عام 2011، بوصفه تحولاً مدروساً في السياسة القطرية تجاه سوريا الجديدة، يؤشر إلى رغبة واضحة في الانخراط في مرحلة البناء والاستقرار دون التخلي عن المبادئ التي تبنتها الدوحة منذ بداية الحرب، وفي مقدمتها دعم الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره وبناء دولته الحرة والمستقلة.