علا مفيد محمد:
«ما حدثَ لا يشبهُ أيُّ شيء» حسب وصف من عاشوا تلك الدقائق القليلة من الزلزال.
فعلى الرغم من حالات الرعب التي عشناها خلال سنوات الحرب من سقوط الصواريخ والقذائف علينا، إلا أن وصفهم للزلزال بأنه «أسوء بكثير».
عباراتٌ كثيرة نسمعها (ثلاث دقائق شعرت أنها القيامة) ،(لقد نجونا بأعجوبة) ، (إلى الآن لا أستطيع تصديق ما حدث).
ذاك الزلزال أصاب النفس كما الأرض، رعبٌ وقلق، موتٌ هنا ودمارٌ هناك، صورٌ وأصواتٌ كثيرة مازالت في الذاكرة.
كل ذلك كان كفيلاً بخلق أزمةٍ نفسيةٍ عند الكثيرين.
فهناك بعض الناس قادرون على الحفاظ على هدوئهم والاستمرار في حياتهم بشكل طبيعي، بينما يشعر آخرون بأنهم لا يستطيعون التأقلم وتجاوز ما حدث بسبب القلق الذي يراودهم خوفاً من حدوث زلزال آخر.
تقول إحدى السيدات في العقد الخامس من عمرها في مدينة جبلة «بيتنا في منطقة المالية والأوقاف، خرجنا منه بعد الزلزال إلى قريتنا القريبة ولم نُصَب بأي أذى جسدي، ورغم أن المنزل جاهز للسكن وبتأكيدٍ من المهندسين المشرفين إلا أنني لا أستطيع حتى الآن دخول المنزل، وأفكر في بيعه والانتقال إلى القرية، مع معرفتي أنه إذا جاء زلزال آخر لا أحد يستطيع أن يحمي نفسه من القدر».
و من جانبٍ آخر هناك الكثيرون ممن عادوا إلى منازلهم لكنهم ما زالوا يحملون خوفاً وقلقاً من أي صوتٍ وحركة وخاصةً أثناء النوم.
تختلف حسب الشخص
للغوص أكثر في هذه الهواجس التقت «الثورة» الدكتورة نور عبده الاختصاصية النفسية في مشفى المواساة، والتي شاركت ضمن فرق الإغاثة لمتضرري الزلزال حيث وضحت بقولها:
« إن الزلزال من الكوارث التي تحدث فجأةً وتؤثر على حواس الإنسان، هناك أناسٌ كثيرون ذكروا الصوت الذي سمعوه أثناء الزلزال والصور التي رأوها، والتي يعاودون رؤيتها في أذهانهم.
كل ذلك يُحدث ردة فعلٍ أو صدمة تختلف من شخص لآخر.
وبينت بأن هناك ظاهرة شائعة صنفوها بشيءٍ خاصٍ بالزلزال وهو «اضطراب ما بعد الصدمة» في هذا الاضطراب يبقى الإنسان في حالة خوف من وقوع الزلزال فأيُّ هزةٍ بسيطة ترعبه، ومن غير حدوث هزةٍ أيضاً هو في حالة خوف وشعور بالدوار والغثيان وألم في الرأس، كلها أعراض مرافقة يمكن حدوثها.
وأضافت الاختصاصية النفسية حول سبب الاختلاف في ردات الفعل بين الأشخاص :«إن ذلك يتوقف على طبيعة الموقف» أين كانوا؟ _ ماذا حدث معهم؟ _ ماذا شاهدوا؟ ».
وعلى طبيعة الشخص نفسه وارتكاسها لأيّ رضٍّ نفسيّ عموماً، فهناك أشخاص قلقون أو حساسون بشكل مفرط أو مبالغ فيه و نتيجةً لذلك يكون تقبلهم للصدمة ولتجاوزها أقلُّ من غيرهم وتترك أثراً فيما بعد.
إلى جانب ذلك تقول الدكتورة نور عبده:
أنه لا نستطيع الحكم على شخص أنه مصابٌ باضطراب شدةٍ ما بعد الصدمة إلا بعد أن يمرّ على حالته فترة زمنية معينة، فلا يكفي أن يكون قلقاً لعدة أيام لنقول عن الحالة اضطراب صدمة بل يجب على الأقل أن تكون الأعراض مستمرة لمدة شهر أو أكثر بأعراضٍ معينة حتى يتحقق هذا الاضطراب.
وأهم معيار له هو التجنب: أي أن الشخص يتجنب أي شيء يذكّره بما حدث والخوف من المكان الذي وقع فيه الحدث.
إضافةً إلى الأثر السلبي الخطير للكلام المتناقل والمعلومات الخاطئة عبر السوشال ميديا.. كأن يقال أن البيوت الأقرب إلى الساحل هي الأخطر أو الطوابق العالية… وهكذا.
والتي تؤثر على قرارهم بالعودة لمنازلهم والاستقرار النفسي.
كيف يُعالج؟
أما بالنسبة للحل تؤكد عبده أن «لوسائل الإعلام دور كبير في تقديم الدعم النفسي والمساعدة على التجاوز من خلال التوعية والتثقيف حول ما حدث وأسبابه والهزات الارتدادية وإثارة الطمأنينة تجاهها،إضافة إلى تقديم الإسعافات الأولية العاطفية من خلال الدعم بلطف والوجود حول الأشخاص المستائين، مضيفة: أن الشيء الأكثر فائدة هو التواصل الاجتماعي الذي من شأنه أن يساعد على التخلص من القلق و الشعور بالهدوء والاطمئنان، أما في الحالات الصعبة هناك علاجاتٌ دوائية تخصصية وسلوكية كلٌّ حسب حالته.
إن ما حدث ليس مجرّد غصة موتٍ في القلب على شخصٍ عزيز، بل جرحٌ لن يندمل أصابنا جميعاً بشكل جماعي.