الثورة – ناصر منذر:
مجلس حقوق الإنسان في جنيف اعتمد بالأمس، وبالأغلبية مشروعي القرارين المعنونين: “حقوق الإنسان في الجولان السوري المحتل” و”المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل”، طالب فيهما كيان الاحتلال بوقف انتهاكاته الممنهجة بحق أهلنا في الجولان السوري المحتل وفي فلسطين المحتلة.
اعتماد المجلس لمشروعي القرارين، جاء في وقت تصعد فيه حكومة الاحتلال انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في الجولان المحتل، وأيضاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهنا لا بد من التذكير بسلسلة الجرائم الصهيونية المتواصلة في سياق محاولات الكيان الغاصب تكريس احتلاله، وفرضه كأمر واقع، ولاحقاً محاولة العمل على نزع اعتراف دولي بشرعنة هذا الاحتلال.
منذ احتلال الجولان السوري في حزيران 1967، لم يتوقف العدو الصهيوني عن ممارسة جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية بحق أهلنا الصامدين هناك، وأيضاً ممارسة جرائم التطهير العرقي بأبشع أشكالها، فقد دمر 131 قرية و112 مزرعة، وهجر 131 ألفاً من أهلنا فيه من أصل 138 ألفاً، وأقام 35 مستوطنة على أنقاض القرى المدمرة، ونهب موارده الطبيعية وخيراته الزراعية، وحاول مرات عديدة فرض الهوية الإسرائيلية بالقوة، فضلاً عن اتخاذ العديد من الإجراءات العنصرية الهادفة لتغيير معالم الجولان الجغرافية والديمغرافية، والتي وصلت اليوم إلى مشروع إقامة “التوربينات” والذي يصادر آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، ويهدد بمخاطره الصحية والبيئية السكان السوريين، وأنشطتهم الزراعية التي تعتبر مصدر الرزق الأساسي، وهذا يعد انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
سياسات الاستيطان، وسرقة الأراضي، ونهب الممتلكات، واستهداف الهوية الثقافية لأبناء الجولان، والتنكيل بهم لدفعهم إلى التهجير القسري، كلها تصب في إطار المحاولات المستميتة لحكومة العدو الصهيوني لتكريس قرارها غير القانوني واللا شرعي بضم الجولان، وفرض سيادتها عليه، وهو ما تعمل عليه بمساعدة ودعم الولايات المتحدة، في سياق تنفيذ المشروع الصهيو- أميركي الذي يستهدف المنطقة كلها، وهو أبرز أهداف الحرب الإرهابية التي تشنها قوى الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة على سورية منذ أكثر من 12 عاماً.
الجمعية العامة للأمم المتحدة، تجدد أيضاً كل عام اعتمادها لقرار يطالب كيان الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب الكامل من الجولان السوري المحتل تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، الأمر الذي يعكس حرص الدول التي تصوت دائماً لصالح القرار على الالتزام بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولكن المشكلة تكمن دائماً في التطبيق العملي على أرض الواقع، ما يعكس عجز مجلس الأمن الدولي عن إلزام الكيان الإسرائيلي بتنفيذ قراراته السابقة بهذا الشأن.
وهنا، فإن الولايات المتحدة وأتباعها في الغرب يتحملون المسؤولية الأكبر في عدم اتخاذ مجلس الأمن أي إجراء حازم يلزم العدو الصهيوني بالانسحاب من الأراضي التي يحتلها بالقوة، وإنما تعمد واشنطن وحلفاؤها التستر على جرائمه، وإعطائه الضوء الأخضر لمواصلة انتهاكاته، واستكمال مخططاته التهويدية لتكريس احتلاله للجولان، وفرضه كأمر واقع، ومن خلال هذا الدعم، تعمد حكومة العدو الصهيوني إلى استغلال الأوضاع الراهنة لتكريس احتلالها للجولان السوري، وتصعد من محاولاتها الهادفة لفرض قوانينها وولايتها على أهلنا الصامدين هناك، توازياً مع تصاعد وتيرة بناء وتوسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي الزراعية ومصادر المياه في أنحاء الجولان، من دون اتخاذ أي خطوات رادعة من قبل مجلس الأمن لوقف حملات الاستيطان في الجولان، ووضع حد لانتهاكات وممارسات الاحتلال.
ولكن رغم كل ذلك، فإن الحقيقة الثابتة تقول بأنه مهما أوغلت حكومة الاحتلال بممارساتها الإجرامية، ومهما تمادت الإدارات الأميركية المتعاقبة بدعمها، فإن الجولان سيعود عاجلاً وليس آجلاً، بكل الوسائل المشروعة التي يكفلها القانون الدولي، وسورية لن تتوانى عن بذل الغالي والنفيس من أجل تحرير كل شبر منه، وحقّها باسترجاعه أبدي، لن يخضع للمساومة أو التنازل، ولا يسقط بالتقادم.