منذ بداية الحرب على سورية أدرك معظم المحللين أن هذه الحرب المؤامرة إن لم تتوقف فإنها ستضر بأمن المنطقة كلها، لأن سورية قلب المنطقة والعالم.
وبالمقارنة بين الحدثين السوري الإقليمي والأوكراني، الذي أخذ طابعاً دولياً، فإن تداعياتهما أصابت العالم، وأنه لولا الدخول الروسي الفاعل على خط مواجهة المؤامرة الكونية على سورية بكل تفاصيل وحيثيات الدخول لما تمكن الصديق الروسي من الإقدام على تحصين جغرافيته لدرء أخطار الناتو والتي أشارت الكثير من الأحداث السابقة إلى أنه يعمل على تحجيم روسيا إن لم يكن تفتيتها، وكذا الحال في العملية الروسية في أوكرانيا التي وضعت حداً لتطويق الناتو لروسيا.
لن ندخل في تفاصيل الحربين ونتائجهما السياسية والعسكرية والإستراتيجية، فقد بات كل شيء واضحاً للقاصي والداني، وأولها ظهور بوادر عالم جديد متعدد الأقطاب، انطلاقاً من مفرزات الحرب في أوكرانيا لصالح موسكو، وانطلاقاً من إدراك كل مراقب أن المؤازرة الروسية لسورية كان لها دور كبير في مواجهة مخططات واشنطن وحلفائها في كل ما يعرف بالشرق الأوسط، وعلى المستوى الإقليمي مكن الأمر دولاً إقليمية وعربية من إعادة تقييم علاقاتها مع الغرب والشرق بحثاً عن مصالحها، والبحث عن المصالح مكنها أيضاً من اتخاذ مواقف تمثل انقلاباً على سياساتها السابقة من حيث علاقاتها شرقاً أو غرباً وصولاً إلى اتخاذ مواقف تصب قبل كل شيء في اتجاه مصالحها الوطنية.
المشهد الراهن فرض إذاً إعادة تقييم لعلاقة دول هذه المنطقة مع سورية وأزمتها، وبدأت هذه الدول النظر بعينين اثنتين لما يجري وصولاً إلى قناعة تشكلت لدى الجميع أن استمرار ما يجري في سورية يهدد المنطقة بكاملها وهذا ما استدعى حراكاً أو مدخلاً واقعياً للانخراط في إطفاء نار هذه الأزمة قبل توسعها إقليمياً وبالتالي ضرب مشاريع التنمية والمستقبل وصولاً إلى ترتيب أوضاع المنطقة بما ينعكس استقراراً، وهو ما يفسر عودة النظام التركي إلى الاجتماعات وتلميحه حول الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلها.
والعواصم العربية التي عادت للتقارب مع دمشق، – وهو تقارب مرحب به من قبل سورية- يدرك المراقبون أنه من باب معرفة الجميع بمصالحه وأمنه بعيداً عن علاقاته بهذا الطرف أو ذاك، وأن هذه المصالح يجب أن تراعى وأيضاً يجب أن يعمل لأجلها.
وفي سورية مكن صمود شعبنا وجيشه من الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وجاء الزلزال الكارثة أخيراً ليؤكد تلاحم هذا الشعب بمشهد عفوي، وجعله ينظر إلى المستقبل بعين الاستفادة من كل الإيجابيات التي يملكها لفرض إرادته، وتحصين نفسه على كل المستويات، فيعمل المواطن وفقاً لوجهة النظر هذه جنباً إلى جنب مع الدولة عبر إجراءاتها التي تمكن الجميع من الانخراط في خطة عمل وطنية لبناء الحاضر والمستقبل، فالمرحلة القادمة تتطلب عملاً على كل المستويات، وسورية ليست بحاجة إلى كفاءات مستوردة فهي متخمة بها لكن ما نحتاجه هو في حسن اختيارنا للكفاءات التي تريد بناء وطنها على أساس متين.
عبد العزيز الشيباني