جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة في الصين لتثير الجدل من جديد حول مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، فبينما يراها بعض المراقبين خروجاً فرنسياً وأوروبياً صريحاً من العباءة الأميركية، لا يراها الأميركيون إلا رغبة لدى الرئيس الفرنسي في التميز ولعب دور السيد.
وما بين رأي المراقبين الملتبس، ورأي الأميركيين النابع من تراكم عقود من الهيمنة والسيطرة في عقلية كل من الأميركي والأوروبي على حد سواء، تبقى النبرة الفرنسية التي عبر عنها ماكرون أواخر عام 2020، وكررها منذ عدة أيام في بكين، مادة للاستهلاك الإعلامي دون أن تغير من واقع الحال الذي تعيشه أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا كتابع وعبد مطيع لساكن البيت الأبيض.
وانعكاساً للتراكمات الفكرية والسياسية التي تشكلت منها ثقافة الطبقة الحاكمة على جانبي الأطلسي، لا نتوقع أن تقود باريس تحولاً في العلاقات الدولية لمصلحة الشعب الفرنسي وشعوب أوروبا قاطبة، والتي تعيش في هذه الفترة صعوبات معيشية واقتصادية حادة بسبب الانصياع الأعمى لسياسة واشنطن المدمرة، وخاصة الناتجة عن التورط في دعم الإرهاب الأميركي وحرب أوكرانيا، بشكل لا يخدم سوى مصلحة الإدارة الأميركية وشركات تصنيع السلاح المرتبطة بها، وهذا ما أدركته الشعوب الأوروبية التي أخذت تعبر عن موقفها بشكل مظاهرات متصاعدة في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، وهي الوحيدة أي الشعوب القادرة على فرض التحول الحقيقي في العلاقات الأوروبية الأميركية.
وتبقى تصريحات ماكرون اللافته زوبعة في فنجان، إن لم تأخذ طريقها إلى التبلور على الساحه الأوروبية، وأن تجد داعمين لها في مؤسسات الاتحاد وخاصة أن الرئيس الفرنسي أشار بشكل واضح إلى التعددية القطبية عندما تحدث عن تشكيل قطب ثالث إلى جانب القطب الأميركي والقطب الصيني وحدده في المسألة التايوانية، الأمر الذي يؤكد أن لدى ماكرون قناعة حقيقية بضرورة تحول العالم إلى التعددية القطبية والانعتاق من ربقة البلطجي الأميركي، فهل يفعلها ماكرون ويستمر في متابعة طرحه لهذه القضية التي تصب في مصلحة كل شعوب العالم ودوله؟.