ظافر أحمد أحمد:
تتوافر ظروف موضوعية تسمح بتسمية الجهود الدولية لمواجهة التضخم منذ الحرب الأوكرانية بأّنها (الحرب العالمية الأولى ضد التضخم)..، فعبر التاريخ الحديث لم يحدث تضخم عالمي واسع بهذا الحجم، بل حدثت وقائع فردية طالت بعض الدول التي أصابها تضخم مفرط، وانهارت اقتصاداتها بسبب حروب أو أزمات داخلية..
الأخطر في (حرب التضخم)، التداعيات الناجمة عن إصرار الولايات لمتحدة الأميركية على هيمنة دولارها على الاقتصاد العالمي، واستخدامه كوسيلة عقابية حتى على حلفائها، إضافة إلى شتى الدول التي لا تتماشى مع سياستها..، ولذلك تصرُّ على محاولة التحكم في السياسة النفطية العالمية بما يخدم حربها الداخلية ضد التضخم ومستويات الفائدة التي يقررها بنكها المركزي لتضمن سيطرة الدولار عالمياً..
التأثيرات الأميركية في محاربة التضخم تصل إلى أوروبا قبل غيرها، فهذه الأخيرة التي تأثرت سريعاً وسلباً بالعقوبات التي اعتمدتها ضد الاقتصاد الروسي، تعاني من سياسات المالية العامة الأميركية وباقي السياسات الاقتصادية، وستتأثر أكثر في حال حظرت الولايات المتحدة صادرات الغاز الطبيعي المسال لإبقاء الأسعار منخفضة داخلها، بعدما فرَّط الاتحاد الأوروبي بالغاز الروسي، وفتح الباب للغدر الأميركي موفراً شروط المصلحة الأميركية أوّلاً..
ولا يمكن التغافل عن تداعيات مواجهة التضخم في القارة الأوروبية ذاتها التي تعتمد على النفط المستورد، وتعاني من ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية، وسياساتها تجاه رفع أسعار الفائدة، وهي قلقة حتى من زيادات محتملة في الأجور إذ ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمات وبالتالي مزيد من التضخم..
وبينما تتوزع تأثيرات قرارات البنك المركزي الأميركي تجاه الفائدة ومواجهة التضخم في الولايات المتحدة على أوروبا وكامل دول العالم فإنّ صندوق النقد الدولي يكرر الإفصاح عن رؤيته الضبابية للاقتصاد العالمي، ويؤكد توقعاته بتباطؤ النمو العالمي، ومخاطر نجمت عن تضاعف معدل التضخم العالمي الذي حدث العام الماضي، وصعوبة تخفيضه خلال العام الحالي والسنوات القادمة بسبب تعقيدات المشهد السياسي العالمي..، فالغرب ينفخ في الحرب الأوكرانية كي تتصاعد، واتفاقية إسطنبول لتصدير النفط والغذاء من روسيا وأوكرانيا على كف العفريت الغربي الذي خلخل سلاسل الإمداد عالمياً بسبب سياسة العقوبات والتوسع بحدود الناتو..
وهكذا استحقاقات مصيرية تواجه السياسة النقدية في كل دولة إذ عليها الانخراط شاءت أو أبت في الحرب ضد التضخم والعمل المتواصل لاستقرار الأسعار، وتخفيف الضغوط الناجمة عن تكلفة المعيشة..
ولا شيء يوحي بأنّ (موجة التضخم العالمية، وانقطاعات سلاسل الإمداد، وزيادة الحواجز التجارية ..) أمور آنية عابرة طالما أنّ المشهد العالمي يزداد تعقيداً وحدة..، فماذا لو تفجّر الملف الكوري أو التايواني..؟
