أديب مخزوم
افتتح الدكتور دارم طباع وزير التربية معرضاً لرسوم الأطفال في صالة الفن المعاصر، تحت عنوان: (الصحة للجميع) وجاء كثمرة تعاون بين وزارة التربية، ومنظمة الصحة العالمية، بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاماً على إنشائها.
ولوحات الأطفال جسدت مواضيع طبية وصحية بامتياز (ارتياب الأسرة في لحظات حدوث الزلزال، الوقاية من وباء كورونا بارتداء كمامات، وبغسيل اليدين جيداً، التركيز على شعار منظمة الصحة العالمية، رسم العقاقير والحقن وسيارات الإسعاف، رسم الأطباء والممرضات والمرضى، والخطوط البيانية على شاشات الإيكو، رسم فايروس كورونا ، والموضوع الأخير يدخل في إطار الفنون المجهرية وغيرها). وحققت رسومات الأطفال حالات الموازنة والمواءمة بين الخط واللون في خطوات صياغة لوحات متنوعة في تقنياتها وأساليبها وموحدة في قياساتها، وبرزت في كل لوحة ثمرة وخلاصة تجربة كل طفلة وطفل على حدة.
والرسومات تتبسط مع تقديم الموضوع لدى البعض، وتتكثف لدى البعض الآخر، وقد تظهر مساحات لونية صافية، أو يتم شغل مساحات أخرى بلمسات لونية عفوية وتلقائية، والطفل حين يرسم بصدق مطلق، بعيداً عن هيمنة المناهج التربوية الراكدة، فإنه يصل إلى أسلوب خاص به.
وفي هذا المعرض برزت العناصر المحببة للأطفال، من أشجار وثمار وأزهار وطيور وفراشات وبالونات وغيرها، وكل ذلك بروح تصويرية فيها عفوية مطلقة وشغف تلقائي، بعيد كل البعد عن العبث التشكيلي المجاني، ونرى طموحاً في أكثرية الرسومات لملامسة الصورة التخيلية في مشاهد الطبيعة والبيوت والعائلة والمواضيع المستمدة من البيئة والواقع والفضاء اللوني المحلي.
يبتعد الطفل عن المنطق الواقعي، بشكل غير مقصود، مقابل طموح آخر يؤكد إسقاط الذات، وهذه الميزة من أبرز معطيات اللوحة الطفولية المرسومة بعفوية وصدق مطلق، والتي تركت أثراً على بعض توجهات الفن الحديث والمعاصر ، وبالتالي فاللوحة الطفولية ساهمت وتساهم في تحديث فنون الكبار، وتأتي معبرة عن ثقافة ومعطيات العصر الذي نعيشه، حيث نجد في معارض الأطفال لوحات من كل المدارس الفنية الحديثة، وهذا ناتج عن العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين رسومات الأطفال ورسومات أو لوحات الكبار بعدما ألغت ثقافة فنون العصر الحدود والفواصل التي كانت قائمة بينهما في الماضي.
في الإطار الطبي والجغرافي
هكذا نكون قد تكلمنا عن طموح الأطفال في التعبير عن واقع حياتهم اليومية في الإطار الطبي والجغرافي، حيث يظهر جهدهم وتمايزهم في خطوات إظهار جماليات العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الرسم والبيئة العربية. ولاشك بأن اللجنة المنظمة تمكنت من اختيار الرسومات المعبرة عن مشاهدات الأطفال في المشافي والمراكز الطبية ، والتي شهدت خبرة فنية وتقنية، في استخدام المواد اللونية ومعالجتها، وحافظت على الرموز الفنية والتربوية الحديثة، واهتمت بمسألة جوهرية ، وهي التعامل بدراية ، ووضع الخطوط والمساحات واللمسات اللونية بحرية ودون حدود أو فواصل تحد من مواهبهم الخفية والعلنية.
وهذا يعني أن اللجنة تعاملت مع الأطفال بلغتهم، حيث تندمج الجوانب الصحية والتربوية بالفرح وبالحلم ، وتظهر مرونة الرموز التعبيرية في خطوات التنقل بين المواضيع والمواد اللونية، فالطفل هو المستقبل والرسومات المعروضة هنا تساهم إلى حد بعيد في بناء شخصيته، وفي غرس مشاعر الخير والمحبة والشجاعة والحس الوطني والإنساني لديه، وتمنحه قدرة على مواجهة نزعات الشر والعدوان والاحتلال والاقتلاع.
وهنا استعيد عبارة بابلو بيكاسو الخالدة ، حين زار معرضاً لرسومات الأطفال وقال : عندما كنت بعمر هؤلاء الأطفال كنت أرسم مثل رفائيل، أما الآن وأنا في التسعين من العمر، أحاول أن أرسم بإحساس هؤلاء الأطفال .. مشيراً إلى مدى الصدق والعفوية والتلقائية التي تزخر بها رسومات الأطفال في مرحلتهم التعبيرية الأولى.