الثورة – هناء دويري:
بالأمس واليوم وغدا تحققت إرادة الشعب السوري في تقرير مصيره ورفضه للاستعمار والذلّ والهوان.. نستذكر السابع عشر من نيسان اليوم العظيم في تاريخ سورية بجلاء المستعمر الفرنسي عن الأراضي السورية بعد مسيرة من النضال والثورات التي امتدت على امتداد خارطة البلاد وكما تحقّق النصر بالأمس القريب فهو اليوم يتحقّق بعد مضي سنوات على الإرهاب الذي قاومه أحفاد يوسف العظمة والشيخ صالح العلي وابراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش.
الثورة ضدّ الاحتلال الفرنسي بمشاركة كلّ فصائل الشعب السوري لم تتوقّف يوما لأن الشعب لم يكن ليرضخ ولم ولن يرضخ للاحتلال حيث لم تخل منطقة في سورية إلا وقاومت الفرنسيين وقدّمت الشهداء في سبيل نصرة الثورة ،وكلما اشتدّ ساعد الثورة بمساندة الأهالي والسكان كلّما ازدادت سياسات القمع الوحشي من قبل الفرنسيين وبدأ رجالات الثورة المقاومة وشحذ الهمم لمقارعة الاستعمار الفرنسي ومنهم المجاهد الشيخ صالح العلي.
من رجالات الثورة ..
وُلد المجاهد الكبير الشيخ صالح العلي عام ١٩٨٣ في قرية المريقب في مدينة الشيخ بدر من أسره عريقة تعود في نسبها لأحد أمراء الدوله الفاطمية،
كان أجداده قادة قلاع وجيوش قاوموا الفرنج والصليبيين ومنهم الشيخ بدر الخفير والأمير شاكر قائد قلعة يحمور والأمير محرز الجيش قائد قلعة العريمة
والشيخ حامد الكيمي الذي قاوم الصليبيين لمدة سبع سنوات الذين تحصنوا في برج صافيتا..
والده الشيخ علي سلمان رجل العلم والتقوى له مكانة اجتماعية ودينية في المنطقة والساحل عموما.
مقاومة الاحتلال التركي ..
اتصل الشريف حسين بالشيخ صالح العلي بعد أن ثار على الأتراك في ١٠ حزيران ١٩١٦ بعد أن قطع له مكماهون نائب ملك بريطانيا في مصر وعودا بتوحيد البلاد العربية وتنصيبه ملكا عليها.
كان الشيخ منزعجا من سياسة التجويع وتعليق المشانق ومصادرة القمح التي اتبعها الأتراك فكان أول صدام له مع الأتراك في قريه كاف الجاع حيث قتل اثنين من الجنود الأتراك وفر الثالث عام ١٩١٦
وجرت بينه وبين الأتراك العثمانيين عدة مواجهات وقطع الطريق التي تصل طرطوس بحماة وترصد قوافلهم وقتل منهم اكثر من ٩٠ جنديا تركيا في كمين نصبه لهم في قرية وادي العيون.
ثم جرت معركة بريصين عندما وجه الأتراك حملة للقضاء على الشيخ ورفاقه فقام الشيخ ورفاقه بإبادة الحملة عن بكرة أبيها واضطر الأتراك لتغيير طريق قوافلهم وكان ذلك بداية نهايه التواجد التركي في المنطقة
بدء المقاومة ضدّ الفرنسيين..
التقت صحيفة الثورة الأستاذ تمام مرهج مدير متحف الشيخ صالح العلي في الشيخ بدر ليحدّثنا عن معارك البطولة والمقاومة للشيخ صالح العلي ورفاقه ليقول :
انتصرت الثورة العربية بدعم فرنسي بريطاني حاسم ودخلت قوات الثورة دمشق وتوج السوريون الأمير فيصل ملكا عليهم وبدأت بتطبيق معاهدة سايكس بيكو
وبدأ الفرنسي من الساحل السوري فاحتلوا مدنه الرئيسية في تشرين الثاني ١٩١٨
اي بعد شهر واحد من إعلان قيام الدولة العربية
عندما تحرك الفرنسي باتجاه الساحل وأنزل الأعلام عن الدوائر الرسمية ووضعوا العلم الفرنسي بدلا عنها، تحسس الشيخ صالح العلي الخطر على البلاد ودعا الزعماء والوجهاء في الساحل للاجتماع في منزله في الشيخ بدر ومناقشه أحوال البلاد، دام الاجتماع ثلاثة أيام وقرروا ضرورة إشعال الثورة وفوضوا الشيخ صالح بالقيادة.
حملة الاعتقالات وبدء المعارك..
عندما علمت فرنسا بالاجتماع ألقت القبض على بعض من حضروه وأرسلت قوة إلى الشيخ بدر للقضاء على فكرة الثورة واعتقال الشيخ صالح..
جرت معركة بين القوات الفرنسية والثوار في قرية النيحا أسفرت عن مقتل ٣٥ جنديا فرنسيا واغتنم الثوار عشرات البنادق والذخيرة والعتاد
ثم جرت معركة الشيخ بدر الأولى
ثم عمدت القوات الفرنسية لتسيير قوة فرنسية من القدموس إلى طرطوس من خلال الشيخ بدر وطلبوا من الشيخ عدم التعرض لها،وافق الشيخ بشرط ألا تقف القوة الفرنسية أكثر من ساعة ولا تنصب خيما لها ولا تنزل حمولة وعقد هدنة، وأمر بإخلاء مدينة الشيخ بدر ونشر رجاله على التلال المحيطة بالمدينة الصغيرة، واتضح أن القوة الفرنسية كانت ترمي لاحتلال الشيخ بدر واعتقال الشيخ..
وسارعت القوة الفرنسية لإنشاء مرابض مدفعية واستحكامات وأطلقت نار المدافع والرشاشات على البيوت فأمر الشيخ صالح العلي رجالات الثورة بالهجوم وبدأت المعركة التي تكبد فيها الفرنسيون خسائر فادحة.
مقتل ٨٠٠ جندي فرنسي..
ثم انطلقت حملة من طرطوس بقياده الجنرال( جان) في ١٥ حزيران ١٩١٩مؤلفة من ألفي جندي باتجاه الشيخ بدر وجرت معركة وادي ورور، تكبد الفرنسيون خسائر فادحة وتم قتل ٨٠٠ جندي فرنسي وأسر ١٦ جنديا بينهم ضابط اسمه مونكولار.
ثم جرت معارك عده منها معركة الثكنات في ٢٠ شباط ١٩٢٠
ومعركة القدموس التي شارك فيها ٤٠٠٠ مجاهد وحاصروا الحامية الفرنسية لعدة أيام حتى استسلمت، اتسعت رقعة الثورة وجرت معركة السودا وتم في ١٩٢٠ في أيار تحرير قرية بعزرائيل بقوة قوامها ٦٠٠ مجاهد.
في ١٢ أيار حاول الفرنسيون استعادة قلعة المرقب ومهاجمتها ، وفي ٢٥آيار هاجموا قرية كوكب الهوى وأحرقوها ثم استعادها الثوار وحرروها.
و يذكّرنا الأستاذ تمام مرهج بكلّ المعارك التي جرت فيقول : معارك عديدة دارت أثناء مقاومة الثوار للفرنسيين منها: معركة القمصية ،تحرير قلعة الخوابي ، معركة الداميس ،معركة جور البقر ،معركة وادي جهنم ،معركة البودي ، معركة وادي فتوح ، معركة رأس ماسم ،معركة رأس ملوخ ،معركة الدويلية، معركة الثكنات في جبلة ،معركة الثكنات في طرطوس وغيرها من المعارك.
بدء التنسيق للثورة الكبرى
يتابع الاستاذ تمام مرهج حديثه قائلا : اجتمع المجاهد بالبطل يوسف العظمة في مصياف قريه السويدة واتفقوا على التنسيق ودعم ثورة الساحل الا ان وزير الحربية يوسف العظمة استشهد بعد فتره قصيرة..
كما تم التنسيق مع البطل ابراهيم هنانو في الشمال السوري وسلطان باشا الأطرش..
لعبت النساء دورا كبيرا لجانب أزواجهن في القتال كتذخير البنادق وإطلاق النار عندما يكون الموقف حرجا ومداواة الجرحى ونقل الطعام ونقل الرسائل بين المقاتلين.
اعتمد الشيخ صالح على نظام العقداء وتقسيم جيشه إلى مجموعات كل مجموعة يترأسها عقيد، كما اعتمد في دعم الثورة على أملاكه وأملاك أسرته وامدادات ومعونة الملك فيصل وتبرعات المواطنين في كل مكان وإمدادات السلاح والذخيرة من ثورة هنانو والغنائم الحربية من أسلحة وذخائر.
بسبب الخسائر الكبيرة التي منيت بها فرنسا في حربها ، بعد كلّ تلك المعارك أصدرت حكومة الاحتلال الفرنسي حكم إعدام بحق المجاهد الكبير الشيخ صالح العلي.
أعمال ومهام ومسؤوليات
إضافة لتنسيق المعارك قام الشيخ صالح العلي بتنظيم العديد من الشؤون في الدولة السورية لإنجاح الثورة حيث أنشأ ديوانا للبريد يصله بدمشق ومناطق الثورة.
أنشأ هيئة للأمن فيها مجموعة الرصد والمراقبة ومجموعات استطلاع.
أنشأ محكمة الثورة العسكرية لمحاكمة الجواسيس والعملاء.
أنشأ فرقة للدعاية للثورة وبعث رجالها في القرى وبين المجاهدين لرفع الروح المعنوية وشحذ الهمم.
كان لديه خبرة عسكرية تدهش الجميع.. كان يرسم الخطة ويدعو الجميع للنقاش وإقرارها كما كان شديد الحذر.
انتقل في ١٣ نيسان ١٩٥٠ إلى جوار ربه بعد أن كتب وصية له رصد فيها ريع أملاكه لإتمام بناء مسجد وإحداث مدرسة وإحضار أساتذة لها للعلوم الدينية والحديثة، وإنشاء مستوصف لعلاج الفقراء.
تمثل نضاله بعد الثورة بمواقفه المشرفة من معركة الوحدة والانفصال عام١٩٣٦
وكان أول من لبى نداء الواجب وأبرق إلى المراجع المسؤولة مؤيدا الوحدة في البلاد السورية، وحضر المؤتمرات الوطنية ورفض الدويلات الطائفية.
وعندما قام الفرنسيون بالاعتداء على البرلمان في ٢٩ أيار ١٩٤٥
كان أول من حشد الصفوف والتهيئة للقتال وأبرق من طرطوس من دار الحكومة برقيته يقول فيها :
(سيوف المقاتلين تتململ في الأغماد ونفوسهم في اضطراب لا تقبل أن تمتهن كرامة الأمة وتخرق حرمة الاستقلال وانا للمعتدين بالمرصاد وسيرى الظالمون اي منقلب ينقلبون)
انهالت عليه البرقيات المؤيدة والشاكرة لنخوته وغيرته الوطنية.
شهد استقلال سوريه وجلاء المستمر عن البلاد.
أقوال في المجاهد الكبير
يقول الملك فيصل : القائد الحكيم همتكم العالية وقتالكم المشرف وصمودكم في وجه العدو يرفع المعنويات
يقول الرئيس شكري القوتلي : الشيخ صالح العلي أول من أطلق الرصاصة ضد الفرنسيين وآخر من ألقى السلاح.
يقول الرئيس هاشم الاتاسي: هي ذي صحائف الشيخ صالح العلي تنشر للناس وتروي ما يجلب الحمد ويكسب الثناء وليس هذا بالقليل.
كانت حياته قدوة حسنة في الجهاد والكفاح وسجلا بينا قرأه الجميع فعاش في قلوب الجميع..
يقول سعد الله الجابري رئيس الحكومة السورية :
الشيخ صالح العلي سيحفظ التاريخ جهاده المخلص وتضحياته الغالية التي رددتها الأمصار على الرغم من احتفاظه بالصمت وابتعاده عن الادعاء بجليل عمله إباء ونزاهة تلهج بها الألسن وتتناقلها الأجيال.
يقول شارل ديغول رئيس الجمهورية الفرنسية :
أنت رجل مصلح اجتماعي واضح المعالم بين الطريق يريد بالأمم ولها خيرا وسعادة وستبقى كلماته في ذهني لن أنساها وربما وقفت للعمل بمقتضاها.
انطلاقا من التضحيات التي قدمها المجاهد ورفاقه المجاهدين كان لا بدّ من تكريمهم وتخليد ذكراهم وبطولاتهم في ذاكرة الأجيال فقد أصدر السيد الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد المرسوم الجمهوري رقم٧٨ للعام ٢٠٠٨
القاضي بإنشاء متحف المجاهد الكبير الشيخ صالح العلي في مدينة الشيخ بدر تكريما للمجاهد ورفاقه المجاهدين.