افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
فوضى هدّامة، وربما “خلاقة” كما تريدها واشنطن دوماً، ففيها قتل لآلاف الأبرياء، وتهجير ونزوح لمئات الألوف، وتدمير لمؤسسات الدولة والأملاك الخاصة، وجرائم حرب من العصابات المنفلتة من عقالها وانتهاكها لحقوق الإنسان، وتعطيل لمحطات الكهرباء والمياه وقطعها عن مناطق واسعة في البلاد وسرقة أجهزتها، ونهب المجمّعات التجارية وحرقها، وكأن ما يجري في السودان هو المشهد ذاته الذي نفذته واشنطن وحلفاؤها في سورية وليبيا واليمن وسواها من البلدان المنكوبة بسياسات أميركا.
فكل هذا الخراب في الخرطوم اليوم، الذي تصفق له بعض دول العالم، هو من مقتضيات “المصلحة العامة” لساسة الغرب من أصحاب الحروب وتجار الأزمات، وقد رأينا مشاهده المأساوية في أكثر من بلد عربي، وفي كل بقعة أرادتها واشنطن ساحة اختبار لتجاربها الفوضوية، ومناطق تصفية لخصومها وأعدائها، ومحطة انطلاق لضمان مصالحها الجشعة، بل المتوحشة.
هو المشهد المأساوي ذاته في السودان اليوم، ورغم أن العامل الخارجي هو من أجّج الصراع، وصبّ الزيت على ناره، إلا أن أطرافه الداخلية عليها تقع مسؤولية الإسراع في الحوار وإيجاد الحلول قبل أن تستفحل الأمور إلى منزلقات أخطر كالتقسيم والتفتيت والفوضى.
اليوم العواصم العربية والقوى الدولية المحبة للسلام والرافضة للحروب وافتعال الأزمات تطالب طرفي النزاع برسم خارطة طريق لحوار جاد يوقف إطلاق النار، ويمهد لحل سياسي، ينهي معاناة الشعب السوداني، ويحافظ على وحدة الدولة ومؤسساتها ويحقق السلام ويوقف شلالات الدم المجانية.
أما القوى الخارجية التي لها مصلحة باستمرار الفوضى، وفي مقدمتها الكيان الإسرائيلي الساعي لنسف الأمن العربي في منطقة وادي النيل، ومن خلفه واشنطن وأدواتها، فهي تصبّ الزيت على نار الصراع، وتؤجّج المعارك وتدعم المتحاربين لتدوم الأزمة، ولتدويلها، وكي تنتقل إلى مستويات لا يمكن معها آنئذ وقف مسلسل الخراب.
فالكيان الإسرائيلي ومعه واشنطن يريدان إضعاف السودان وتفكيكه وتفتيته أكثر من جنوب وشمال كما حدث منذ سنوات، وأقرب سيناريو لذلك فصل إقليم دارفور عنه، وهدفهما محاصرة مصر ونسف أمنها المائي والقومي وزعزعة استقرارها، وأيضاً امتلاك زمام الأمور في البحر الأحمر وباب المندب، وربما أبعد من ذلك – كما ذهبت بعض التحليلات – أي ضرب الاستثمارات والمصالح الصينية والروسية في السودان ووسط القارة الإفريقية.
ولعل تنسيق الكيان الإسرائيلي الدائم مع إثيوبيا خير شاهد على محاولة ضرب الأمن المائي لكل من السودان ومصر، وكي لا نبقى في إطار التكهنات يكفي أن نشير هنا إلى أن الدور الإثيوبي يتقاطع ويتكامل مع الدور الأميركي والإسرائيلي في هذا الاتجاه، من خلال مصلحة إثيوبيا في فصل مصر عن السودان في قضية سد النهضة.
اليوم الفوضى الهدامة تهدد السودان بأمنه ووحدته وحياة أهله، ومع تصاعد العنف ستنحسر الآمال بالوصول إلى حل سياسي يجنّب البلاد حمام دم باهظ الثمن، لا مصلحة لأحد من السودانيين، ولا العرب، ولا حتى الدول الإفريقية المجاورة، بمثل هذا الحمام، لأن تداعيات جريان مياهه السامة القاتلة ستنتقل خارج حدود السودان، وستصيب الكثير من دول الجوار المضطربة أساساً بمقتل.

رئيس تحرير صحيفة الثورة
التالي