عبد الحميد غانم:
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية وحكومات الغرب الأخرى على توسيع دائرة الحروب والأزمات الإقليمية والدولية، انطلاقاً من تنفيذ مخططاتها للهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتها، وتقسيم الدول وتفتيتها بما يتلاءم مع تلك المخططات التي تريد ترسيخ الهيمنة الأمريكية وسياسة القطب الأحادي وتفردها في التحكم بمصير العالم ومستقبله.
وكما حدث في أوكرانيا وقبلها في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية وجورجيا وغيرها، يحدث اليوم في السودان، حيث الصراع والنزاع مشتعل من جديد في هذا البلد الشقيق الذي عانى ويلات الحروب والنزاعات منذ استقلاله في القرن السابق، بعد ترك الاحتلال الغربي بذور الفتنة والتقسيم والتخلف والصراع والنزاع بين مكوناته من خلال تسعير نار النزعات الانفصالية.
فصول الحرب الداخلية التي أنهكت السودان وشتت قدراته وأضاعت استثمار ثرواته وكانت أكثر مأساوية حين قسمته إلى شمال وجنوب، لا تزال تخيم على سمائه، وباتت مفتوحة على كل الاحتمالات فلا يزال الانقسام مخيماً على هذا البلد الغني بموقعه الاستراتيجي وبثرواته المائية والنفطية والباطنية والزراعية والغذائية والمعادن النفيسة والمهمة، وهو يحتل موقعاً رئيساً في سياسات أمريكا وتوجهاتها في المنطقة العربية والأفريقية، وتعمل على تعطيل مشروعات التنمية الاقتصادية التي تحاول استثمارها محلياً وعربياً ودولياً، ومنع السودان من الدخول في شراكات تنموية إقليمية وعالمية.
وكان السودان، يوم 15 نيسان، قد شهد انفجار الموقف المتوتر حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى الولايات الأخرى، وقد لعبت سياسات واشنطن دوراً محورياً في اشتعال الحرب الداخلية، وتحدثت الصحافة الأمريكية نفسها عن تلك السياسات ودورها في تأجيج الصراع في السودان، إذ أكدت مجلة “فورين بولسي” الأمريكية في تحليل لها بعنوان “السياسات الأمريكية مهّدت الطريق للحرب في السودان” تورط واشنطن بما يجري في السودان، ورصد التحليل، كيف فوّتت واشنطن وحلفاؤها الغربيون الفرصة على السودانيين لبناء دولتهم واختيار حكومتهم.
ورأت المجلة الأمريكية أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين قد يكونون هم القوى الوحيدة القادرة بشكلٍ محدود على تشكيل الأحداث في السودان، وقال دبلوماسيون غربيون للمجلة إنَّهم يدركون أنَّ العودة إلى الوضع القائم قبل 15 نيسان أصبح أمراً مستبعداً على نحوٍ متزايد مع استمرار القتال.
فتورط سياسات واشنطن في السودان ليس مستبعداً وليس غريباً عنها، ويكشفه الحجم البشري الكبير عن تواجد الأمريكيين أو من السودانيين المتجنسين أميركياً في الخرطوم وكل أنحاء البلاد، إلى جانب الزيارات المتكررة والسرية لمسؤولين أميركيين في وزارة الخارجية الأمريكية والاستخبارات الأميركية للسودان، كان من بينها زيارة وزير الخارجية الأميركية للسودان قبيل اندلاع النزاع، فضلاً عن حجم الاهتمام الأميركي بهذا البلد والمتابعة للشأن الداخلي، وكيفية توجه الأمور التي تحاول واشنطن أن تبقى وفق المخطط الأمريكي وتصب في خدمة مصالحها ولو كانت على حساب الآخرين، ولو كانت الولايات المتحدة تريد الأمن والاستقرار لهذا البلد لساعدت شعبه على بناء دولته وليس تقسيمها وتفتيتها.
