الملحق الثقافي- نبوغ أسعد:
الأديب الدكتور روضان عبد اللطيف كتب روايته ثلاث حصيات بعاطفة وإحساس كبيرين لذلك جسد فيها الحسرة والخيبة كموضوع أساسي في الرواية التي رصد من خلالها أحداثاً وعلاقات اجتماعية وإنسانية تعالج قضايا مهمة، يراها بعض البشر على أنها عادية لأنهم لم يمروا بذات الحالات التي مر بها أبو سليم الرجل الطيب والمخلص لأولاده وزوجته المتوفاة فآثر على نفسه أن يعيش وحيداً، ظنا منه أن أولاده وزوجاتهم سيكونون له عوناً على ما تبقى من عمره يعيشه وأبناؤه بجانبه في حب كبير يحافظون على ممتلكاته التي سوف تؤول لهم بعد مماته، ولكن حركة الأحداث تكشف للمتلقي أو القارئ خيبة الأمل التي كانت أشد وقعاً على نفس أبي سليم عندما قام بعمل تفرد به في القرية ووزع أملاكه على أولاده فرأى منهم منذ البداية الطمع والجشع وإهمال حالته النفسية ومشاعره فندم على ما قام به، وقرر أن يلقنهم درساً قاسياً نتيجة ما فعلوه ليؤثر بهم مدى الحياة.
في تسلسل الأحداث الذي يشكل بناء الرواية يتجه مؤلفها بمشاعر الحب إلى كشف السلبيات، والإيجابيات ليقدم أساساً ورؤى إيجابية في بناء العلاقات بين الأخوة والأحبة والأصدقاء وصولاً إلى سلامة المجتمع، وأشار إلى بعض ذلك من خلال علاقة أبي سليم بصديق عمره أبي عبد لله وهو الشخصية الفاعلة والمهمة في الرواية، برز من خلاله دور الصداقة والترابط الإنساني فباح له بسره الذي أدمى قلبه، وأدمع عينيه.. وكان أبو عبد الله يتغلغل بين سكان القرية محاولاً أن يزرع في قلب أبنائه روح التمسك بالأرض والانتماء كي يأتوا إلى القرية التي نشأوا بها للعيش على ترابها، ولكن ما حدث لصديق عمره جعله يتراجع قليلاً وخاصة عندما أراد أبو سليم أن يكون له عوناً في إعطاء درس لأبنائه الذين تخلوا عن أبيهم الذي اتفق مع أبي عبد الله ليقنع أولاده أنه مازال هناك ثروة بين يدي أبيهم لا تقدر بمال وهي جرة الذهب، ويعود الطمع ليكون قوياً في حركة أحداث الرواية فيقع الأبناء في الفخ وعادوا إلى أبيهم، وخاصة الابن الأكبر سليم الذي نسي ما قدمه والده له ونسي ما ذاق وعانى لجمع هذه الثروة إضافة إلى الأخ الأوسط عامر الذي كان همه الوحيد شراء سيارة يتفاخر بها ويغيظ ابن قريته الذي يمتلك وحده سيارة مما جعله يبتعد عن حاجة أبيه وحبه ورعايته إلى بقية أحداث الرواية وموت ( وارد ) وزواج الحفيد بأرملة وعودة أبي عبد لله من غربته ليكون سنداً إلى صديقه في محنته ..وتصاعدت الأحداث ليموت أبو سليم تاركاً وصيته عند أبي عبد الله.
وفي سياق حركة الأحداث أدهشنا المؤلف باستخدام الصور والمعاني الأنيقة في سرد الرواية التي تخلف في نفس القارئ الألم الكبير ويتابع بلهفة نهاية الأحداث ليفاجئ الأبناء بأن جرة الذهب الوصية التي هرعوا لأجلها ما هي إلا روث وصل بهم إلى الخيبة، ليعرف أبناؤه أن الخيبة لمن يفقد الإنسانية والطيبة والأخلاق ويتمسك بالمال فالرواية تعالج قضايا اجتماعية، وإنسانية يحاول من خلالها الكاتب أن يكون الحب أهم مقومات الحياة وسر سعادة البشر.
كما يعالج الأديب روضان بعد اللطيف قضايا الطمع والجشع التي ظهرت في نفوس شخوص الرواية ابتداء من أبي جمال الشخصية الاعتبارية الذي جسد الطمع والحقد والحسد وحب الانتقام إلى انتهاء الأحداث بسياق فني يمتلك القدرة على تصوير الجمال القروي ومواطن الطيبة والأخلاق التي لا تموت كما هو الحال في أبي سليم وصديقه أبي عبد الله ليصل إلى النتيجة مؤكداً على القيم والأخلاق.
العدد 1144 – 16-5-2023