يمن سليمان عباس:
من المعروف أن العرب كانوا يقولون ( كانت الحكمة بجملة ) ويضيفون شاور الحكيم , أي المتأمل في شؤون الحياة عن تجربة ودراية , وكان للعرب حكماؤهم الذين يتم اللجوء إليهم حين الحاجة , وقد أدوا دورا مهما في الكثير من الأحداث والوقائع ومازال التاريخ يخقظ الكثير من تأملاتهم وأقوالهم , ولكن على ما يبدو أن التأمل قد فقد مكانته في العصر الحديث مع التقدم التقني , ولكن ضغوطات الحياة أعادته غلى الواجهة , ويعرف المفكرون التأمل
(التأمل ميل فطري في الإنسان ,انصرف إليه العرب ,كغيرهم من الأمم فصاغوه خلاصات موجزة التعبير ,فنية الأداء رصعوا بها أدبهم القديم والحديث, وأغراضهم المختلفة شعرا ونثرا.والتأمل تجربة فردية وتفكير سديد يضيف إليهما الأدب ما تمده به ثقافته من ألوان المعرفة ,فيصهر هذه العناصر كلها في بوتقة واحدة ,يمهرها بطابعه الخاص وينقلها إلى غيره رسالة نصح وتوجيه وموقف معلنا من قضايا الناس وشؤون المصير.
كم من إنسان آمن بالله من خلال تأمله في الدنيا وعظمة خالقها ,فالتأمل يساعد للوصول إلى الحقيقة )
ويرى هاشم صالح في دراسة له عن التأمل أنه:
(ينبغي الاعتراف بأن التقدم الصناعي التكنولوجي الطبي أحدث أيضا ثورة في حياتنا وصحتنا وعمرنا. هل نعلم بأن متوسط عمر الإنسان الأوروبي عام 1740 أي أواسط القرن الثامن عشر كان 25 سنة فقط؟ وكان الإنسان يعتبر شيخا معمرا إذا ما وصل إلى الأربعين. أما الآن فقد أصبح متوسط العمر في الدول المتقدمة الراقية 80 عاما أو يزيد. ولكنه في الدول النامية لا يزيد على الخمسة وستين عاما لأن المشافي ليست متوافرة بشكل جيد هناك والتغذية ليست متوازنة الخ. ومع ذلك فقد حصل تقدم حتى في بلدان الجنوب قياسا إلى السابق. ونظرا لتحسن أحوال البشر المعاشية والصحية فقد تزايد عدد سكان الأرض بشكل كبير. فعدد سكان الكرة الأرضية يتجاوز الآن السبعة مليارات شخص. ولكن هل نعلم كم كان عددهم في بداية القرن الثامن عشر؟ 650 مليون شخص فقط! بل وحتى في بداية القرن العشرين ما كان عدد سكان الأرض يتجاوز المليار ونصف المليار شخص. والسبب هو أن تقدم الطب والنظافة العامة أدى إلى تخفيض نسبة وفيات الأطفال بشكل كبير. ولهذا السبب فإن عدد البشرية كان عام 2000 6 مليارات شخص. ثم زاد بعد 10 سنوات فقط مليار شخص! أما فيما يخص ثورة الاتصالات والمعلوماتية التي ذكرناها فتقول الإحصاءات بأن ملياري شخص في العالم يستخدمون الانترنت حاليا. وهو رقم مرشح للتصاعد. صحيح أن نسبتهم كبيرة جدا في بلدان الشمال الغنية المتقدمة ولكنهم موجودون أيضا في بلدان الجنوب. الجميع يستفيدون من هذه الثورة المعلوماتية وإن بدرجات متفاوتة. ويوجد 5 مليارات شخص يمتلكون الهاتف النقال. وأما «فيسبوك» فيساهم فيه ما لا يقل عن ستمائة مليون شخص. فعلى صفحاته يتبادلون المعلومات ويتناقشون ويتعارضون ويختلفون ويتفقون).
في هذا الواقع الصعب يأتي كتاب فريد ريك لونوار المترجم إلى اللغة العربية وقد حمل عنوان : التأمل بقلب منفتح ,ترجمته عبير محمود وقد صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ,والمؤلف كاتب وفيلسوف فرنسي وُلد في مدغشقر، اشتهر بكتاباته في الدين والروحانية، كما كتب عدّة كتب شهيرة بالتعاون مع فلاسفة وكتاب آخرين.
منها مفارقات السعادة, قوة الفرح ’ رحلة في السعادة , رحلة فلسفية .
أما كتاب التأمل بقلب منفتح فهو من الكتب المهمة جدا على الرغم من صغر حجمه يقع في 111 صفحة من القطع المتوسط , ويناقش تاريخ التأمل وفنه , وكيف نتأمل تأملات موجهة .