الثورة:
شكل معرض ( عيون سورية) المستمر في غاليري دمشق ـ قصاع، حتى الأول من حزيران، فرصة لرؤية لوحة نادرة للفنان الرائد نصير شورى، من مرحلته التجريدية، وهذه المرحلة نادراً ما يتم الحديث عنها، علماً أنها تزامنت مع تحول الفنان الرائد محمود حماد الكبير مطلع الستينيات نحو التجريد الحروفي، وحين كنا نتجول في قاعة الفن الحديث بالمتحف الوطني، ونصل إلى لوحة نصير شورى بقياس جداري (القاعة لاتزال مغلقة منذ بدايات الحرب) كنا نعتقد قبل أن نقرأ الاسم، أنها لمحمود حماد، لأن تجربتهما في تلك المرحلة تقاربت وتشابهت إلى حدود الالتباس، ورغم ذلك تم حصر ريادة التجريد بمحمود حماد ، حيث اعتبر رسمياً الرائد التجريدي الأول في حركتنا التشكيلية السورية، ولقد وصل إليه، بعد تجربة غنية بالرسم الواقعي الحديث القريب من الانطباعية، ولقد شاهدنا نماذج من تلك المرحلة في معرض استعادي أقامته صالة عشتار ، ونشرت وقتها عنه قراءة تحليلية وافية.
ولأن نصير شورى لم يستمر طويلاً في التشكيل التجريدي، وسرعان ما عاد إلى التشخيص بمساحات شاعرية شفافة اشتهر بها، تم هضم حقه، كواحد من المساهمين في ولادة الاتجاه التجريدي المحلي، إلى جانب محمود حماد في الفترة نفسها، تماماً كما حدث في باريس في نهاية العقد الأول من القرن العشرين، حيث لا تكاد تذكر المدرسة التكعيبية في الرسم، إلا ويتم تبجيل وتمجيد وحرق البخور حول بيكاسو، باعتباره أبو التكعيبية ورائدها الأول، علماً أن الشواهد التي بين أيدينا تؤكد من جديد أن جورج براك قد يكون سبق بيكاسو في ابتكار الاتجاه التكعيبي.
فالتاريخ الفني كرر نفسه، وتم حذف اسم نصير شورى من قائمة رواد الحداثة الفنية التجريدية، إلى جانب كونه من أبرز رواد الانطباعية السورية إلى جانب ميشيل كرشة وجورج خوري (الأخير أستاذ نصير شورى) ولم نتمكن من العثور على لوحة واحدة له في المطبوعات القديمة، ولا على غوغل.
شكراً لإدارة (غاليري دمشق) على معرض (عيون سورية) الذي يتضمن لوحات قديمة ونادرة، لبعض كبار رواد الحداثة التشكيلية السورية، والتي شكلت مدخلاً لإثارة هذا الموضوع، وإعطاء كل ذي حق حقه، حتى لا يبقى تاريخ حركتنا الفنية أسير المزاجيات والعبارات الجاهزة والمتسرعة.