أسدل الستار على فعاليات قمة جدة العربية التي حفلت بالعديد من الأحداث والمواقف التي تحمل رسائل في اتجاهات متعددة وأحيانا تعيد المتابع إلى تاريخ القمم العربية وما تخللها وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى عدم تجديد آليات عملها لتواكب التطورات الكبيرة المتسارعة على أرض الواقع.
تفرد السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته التي تضمنت مواقف ورسائل واضحة ومباشرة تعكس الثوابت السورية وتعبر عن رأي كل مواطن عربي ينتمي إلى هذه الأمة ويؤمن بأن اجتماعها وتوحدها وتضامنها وتعاونها هو السبيل لنهضة الدول العربية مجتمعة وتمكينها من مواجهة التحديات والأخطار القديمة والمتجددة.
فبكلمات وجمل مختصرة ومعبرة وواضحة وضمن الوقت المحدد بخمس دقائق عبر الرئيس الأسد عن مواقف سورية عربياً وإقليمياً ودولياً وشخص معاناة الدول العربية من الذهاب إلى معالجة الأعراض وتجاهل إزالة الأسباب في غالبية الأزمات والمشاكل والخلافات بين الدول العربية من جهة أو بين الدول العربية والدول الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
إن تلخيص الرئيس الأسد للتهديدات الرئيسية المحدقة بالأمة والمتمثلة ب (الليبرالية الحديثة التي تستهدف الانتماءات الفطرية للإنسان وتجرده من أخلاقه وهويته، وجرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً والفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة إضافة إلى تحدي التنمية) جاء ليضع منظومة الجامعة أمام مسؤولياتها باعتبارها المكان الطبيعي لمناقشة كل هذه التحديات وفق رؤى واستراتيجيات وأهداف مشتركة وعلى أساس سياسة موحدة ومبادئ ثابتة وآليات وضوابط واضحة تضمن مكانة العرب في هذا العالم وفي أن تكون (الجامعة متنفساً في حالة الحصار لا شريك به وملجأ من العدوان لا منصة له).
تحمل دعوة الرئيس الأسد للقادة العرب إلى اقتناص الفرص التي تحملها الأخطار المحققة في توصيفه للمخاض الدولي نحو قيام عالم متعدد الأقطاب رسائل متعددة ولعل أبرزها تأكيده ضرورة ترتيب الشؤون العربية دون تدخل أجنبي وإعادة التموضع العربي في هذا العالم الذي يتشكل حالياً لإنهاء هيمنة الغرب “المجرد من المبادئ والأخلاق والأصدقاء والشركاء” كي يكون العرب فاعلين فيه.
كعادته ترك الرئيس الأسد المجال مفتوحاً بربطه الأمل بالإنجاز والعمل ودعوته الصريحة للقادة العرب لاستثمار الفرصة الحالية وأجواء المصالحة بين الدول العربية التي سبقت القمة لاستكمال ترسيخ التعاون العربي وفق الأسس والقواعد التي تحدث عنها وخاصة فيما يرتبط بدور الجامعة العربية وضرورة تجديد وتطوير آليات عملها وميثاقها ونظامها الداخلي.
والأمر اللافت في كلمة الرئيس الأسد كان تصويبه لبعض الصياغات السياسية فيما يتعلق بدور سورية وتأكيده بأن ماضي سورية وحاضرها ومستقبلها هو عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان وإنها هي قلب العروبة وفي قلبها.
إن ربط الرئيس الأسد بين الأمل بالمستقبل والآفاق المتاحة في ظل التطورات الإيجابية والتقارب العربي والإقليمي والذي كانت من ثماره قمة جدة يعكس سعي وطموح سورية لبدء مرحلة جديدة من العمل العربي يحد من التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة الداخلية وتلعب فيه الجامعة العربية كسدّ أمام هذه التدخلات وكمساعد للدول العربية في حل مشاكلها حين تطلب ذلك.
ينتظر العرب أن تضع قمة جدة قواعد وأسساً جديدة للعمل العربي المشترك ويمكن للسعودية خلال فترة رئاستها الممتدة لعام كامل أن تسهم بالتعاون مع الدول العربية في إنجاز ذلك بالنظر لعلاقاتها وإمكانياتها ودورها في المصالحات العربية التي سبقت القمة.
التالي