الثورة – تحقيق – مريم ابراهيم – رولا عيسى:
شئنا أم أبينا وجودها، قبلنا بها أو تجاهلناها، هي موجودة وبقوة رغماً عنا، ولتزيد دائرة انتشارها أكثر بفوضى وعشوائية وبحجج ومبررات غير منطقية أبداً حيث باتت في نظر الكثيرين الحاجة الضرورية التي لاغنى عنها سواء كانت في محلها، أومن باب النظرة السائدة لها بحكم التقليد الذي بات سلوكاً معتاداً في مجتمعنا بغرض البريستيج الاجتماعي لا أكثر.
علامات استفهام
فظاهرة الدروس الخاصة التي انتشرت خلال السنوات الماضية بشكل لافت وأخذت أشكالاً عدة مما بات من الضروري طرح الكثير من التساؤلات حولها من قبل الأسرة والمجتمع والمعنيين بها ، وتضع مزيداً من علامات الاستفهام حول تفشي هذه الظاهرة ، والخوف من غياب دور المدرسة الأساسي، حيث اعتماد التلاميذ و الطلبة الرئيسي بات واضحا» للعيان على المدرس الخاص والمعهد التعليمي الخاص لمتابعة تعليمهم وتحصيلهم الدراسي بشكل عام وهذا بدوره قلل من أهمية الالتزام بالدوام المدرسي متسبباً بانقطاع مبكر وحتى خلال العام الدراسي.
استنزاف مادي
وتجمع آراء كثيرة ومن شرائح مجتمعية مختلفة على أن الدروس الخاصة والدورات التعليمية في المعاهد الخاصة للأبناء تشكل مصدر استنزاف مادي جديد لدخل الأسرة التي تعاني أساساً من ضعف الدخل، لكنها أمام طموحها في تعليم أبنائها ووصولهم إلى المرحلة الجامعية ،لا توفر أغلبية الأسر جهداً للبحث عن أسباب تفوق ونجاح أبنائها، ومن هنا أول ما يكون على طاولة البحث والنقاش الدروس والدورات الخاصة ،فكيف إذا كان لدى الأسرة طالب أو طالبين شهادة إعدادية أو ثانوية، مع الإشارة إلى أن التوجه للدروس والدورات الخاصة لا ينحصر بالتعليم الأساسي أو الخاص.
عرض وطلب
ومن خلال رصد عدة آراء أجريناها مع شريحة من الأهالي الذين لديهم أبناء مقدمين على امتحانات الشهادتين الاعدادية والثانوية، أكدت مختلف الآراء أن الأهالي منشغلين أثناء تحضير أبنائهم لامتحانات الشهادتين يعيشون حالة من الاستنفار والسباق لتأمين متطلبات الدروس الخصوصية، والبحث عن أفضل خيار وما أكثرها من خيارات متاحة أمامهم سواء من خلال الواقع أو صفحات الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي!
أقساط باهظة
وأمام هذا الإقبال والطلب الكبير لمختلف المراحل الدراسية على الدروس والدورات الخاصة من الطبيعي أن تشهد مختلف المعاهد ارتفاعاً في أجور الدروس والدورات التي تختلف من معهد لآخر وكذلك من منطقة إلى أخرى، فالمعاهد وأساتذة الدروس الخصوصي في الأحياء الشعبية يتقاضون أسعاراً لاتقارن مع أمثالهم في بقية الأحياء الأخرى.
وفي بحث وتقصي عن أجور الدورات في أحد أحياء دمشق الشعبية مع بداية شهر المراجعة والتحضير للشهادتين الإعدادية والثانوية تبين أن أقل معهد يتقاضى في الشهور العادية خلال العام الدراسي على المادة الواحدة ٢٥ألفاً وقد تصل إلى ٤٠ ألفاً في الشهر، وأما في شهر المراجعة تصبح الحسابات مختلفة تحت عنوان دورات مكثفة لتصل أجور التسجيل لثلاث مواد إلى ٢٣٠ ألف ليرة ولكلّ المواد ٢٧٠ألف في أحد المعاهد، وفي معاهد أخرى قد تصل إلى ٣٠٠ألف ليرة ضمن شهر المراجعة، وأما الدروس الخصوصي لطالب واحد، فحدث ولاحرج، وهنا تتباين الأسعار وقد نجد الدرس الخصوصي لمادة واحدة يصل ل١٠آلاف وحتى ٣٠ألفاً، وهذه الأرقام ضمن الأحياء الشعبية.
تباينات
وأما اذا ما توسعنا في بحثنا و انطلقنا إلى أحياء أخرى، فسنجد أسعاراً مضاعفة لما ذكرناها وربما تصل أجرة الدروس في الأشهر العادية للمعاهد إلى ١٠٠ ألف للمادة الواحدة وإلى ٧٠٠ ألف لعدة مواد، وصولاً لأرقام خيالية تصل للملايين شهرياً بالنسبة للمواد كلها، ناهيك عن أن الدرس الخصوصي يصل إلى ١٠٠ ألف ليرة وأكثر بحسب القرب أو البعد عن موعد الامتحان، فكلما اقتربنا من الامتحان كلما ارتفعت أسعار وأجور المعاهد والدروس الخصوصية، هذا إلى جانب عدد الساعات التي يتضمنها الدرس وفقاً لحسابات مستوى المدرس في التعليم وقدرته على إعطاء الدرس وتبسيطه وتوقع الأسئلة المهمة في امتحانات الشهادات التي بحدّ ذاتها باتت تتطلب جلسات تعليمية خاصة من نوعها.
بعيدة عن المواصفات
وعند متابعة طريقة جلوس الطلاب في المعهد وأعدادهم وحجم القاعات في المعاهد وجدنا كثافة كبيرة لا تتناسب مع حجم القاعة الصغير الذي لايتعدى عدة أمتار، ويحشر فيه أكثر من ٢٠ طالباً يتداخلون في طريقة جلوسهم.. ولدى استفسارنا عن رأي الطلاب بطريقة الجلوس أخبرونا أنها ليست طريقة مريحة لهم وتؤثر على فهمهم وتركيزهم مع المدرس، لكنهم مضطرين، وأما من يضطر ويستطيع ترك المعهد يذهب للبحث عن معهد آخر أو يستعين بالدروس الخصوصية المرهقة والمكلفة على الأهل.
عبء إضافي
وتقول السيدة بسمة عثمان لدي ثلاثة أبناء اثنان منهم يستعدان للشهادتين الاعدادية والثانوية وبالتالي تواجه أسرتنا تكاليف مضاعفة ونضطر للاستدانة أحياناً وكذلك الدخول في جمعيات وسحب قروض لندفعها ثمناً لتكاليف الدروس الإضافية والخصوصية، وذلك خوفاً من التسبب في ضعف التحصيل العلمي لأبنائنا خاصة وأنهم يشتكون من تسارع في الدروس ضمن المدرسة وتعطيلهم قبل وقت طويل كفرصة للدراسة المنزلية ،لكن للأسف الصفوف الانتقالية باتت هي الأخرى تعطل قبل شهر من بدء الامتحان نتيجة الانتهاء من المنهاج في بعض المدارس قبل وقت طويل من موعد الامتحان والعطلة المخصصة للدراسة.
وتتابع خلال المرحلة الابتدائية لم أدع أبنائي يتكلون على الدروس الخصوصية والمعاهد رغم أن كثير من الأهالي قاموا بذلك ولم يحصلوا على نتيجة أفضل، بل كان تحصيلهم أعلى في تلك المرحلة، وعندما أصبحوا في المرحلة الاعدادية كان لابدّ من الاستجابة لمن نصحوني بضرورة اللجوء إلى الدروس الخصوصية أو التسجيل في معاهد بشكل شهري وهنا بدأ الاتكال التدريجي على هذا النوع من الدروس.
بدوره تساءل أيهم موسى موظف ،ولديه طفلان، لماذا على الأسرة أن تتكلف أعباء الدروس الخصوصية بهذا الحجم، مبديا» قلقه من مستقبل أبنائه الذين لازالا في المرحلة الابتدائية، فما التكاليف التي تنتظره لاحقا» عندما يصبحون في صفوف أعلى وأين هو دور المعلم والمدرسة في المدارس العامة وحتى الخاصة أيضاً ليحد من سلبيات هذه الظاهرة.
بدورهم مدرسين ومعلمين أخبرونا أنهم يلجؤون لإعطاء الدروس الخصوصية بسبب الحاجة المادية لزيادة دخلهم كونهم معيلين لأسر وبأمس الحاجة للدخل الناتج عن هذه الدروس بشرط ألا تؤثر هذه الدروس على دورهم المطلوب منهم في المدرسة، وهناك طلاب يطلبون الدروس الخصوصية لتحسين قدراتهم وتحصيلهم العلمي و منهم لعدم استيعابه الدروس في المدرسة أثناء الحصص الدرسية،مع الاشارة إلى أن هناك معلمين ينظمون جلسات تعليمية خاصة في منازلهم ويتقاضون أجوراً رمزية ولايهمهم النفع المادي بقدر ما يهمهم مصلحة الطالب.
أين التربية؟
والملفت في ظاهرة الدروس الخاصة غياب الجهة المعنية وهي وزارة التربية عن متابعة الظاهرة ورصد واقعها ، وضبط عشوائيتها أو حتى اتخاذ أي إجراءات للحدّ منها ، أو ابداء الرأي حولها ، وتوجهنا بسؤالنا للتربية لتزويدنا برأي الوزارة فيما يتعلق بظاهرة الدروس الخصوصية ، والإجراءات المتخذة بشأنها ، أو للحدّ منها وضبطها ، وكان الرد هو الاعتذار من قبل التربية وعبر المكتب الصحفي في الوزارة عن أي جواب بشأن ذلك ، مع الإشارة إلى أن الظاهرة كانت محط اهتمام سابق للتربية ، ويبدو أن انتشارها لم يعد بالمستطاع السيطرة عليه ، أو حتى ضبطه لدرجة بات الدرس الخاص متعارف عليه في جميع المراحل الدراسية وكافة الصفوف سواء كانت انتقالية أوشهادات عامة ، وكذلك لجميع المواد الدراسية علمية كانت أم أدبية.
حاجة أم ضرورة؟
بالعموم يبقى موضوع الدروس الخصوصية وتشعباتها المتعددة الأوجه وكذلك المعاهد الخاصة مستمر في أخذ ورد وتأرجح مابين الحاجة أو الضرورة ، كما أن طرح الموضوع ليس بجديد ، حيث أن هناك من يؤيد ومن يعارض ، وليس الطرح ضد أي معلم أو مدرس أو حتى معاهد خاصة عندما يكون عمل هؤلاء هو تحقيق مصلحة الطالب التعليمية ، لكن حين يكون على حساب دور المدرسة وتغييبها ، وتحويل الهدف التعليمي إلى هدف مادي بحت ، هنا لابدّ من المتابعة الميدانية لواقع هذه الظاهرة وإلزام القائمين عليها بمعايير وضوابط محددة ، مع ضرورة تقيد القائمين بعمل المعاهد الخاصة بالشروط والأسس الناظمة لعملها وبما يحقق الهدف والغاية منها ، مع سعي الجميع لتفعيل دور المدارس وأن لا يكون هناك بدائل تحل محلها ، إذ لايمكن إغفال دورها الجوهري ، لاسيما وأن هناك سنوياً أعداد كبيرة من المتفوقين والمتميزين من الطلاب هم نتاج هذه المدارس.