الثورة – قراءة عبد الحميد غانم:
شكلت المصطلحات إحدى الأدوات المهمة في الحرب الحديثة التي تتعرض لها سورية والأمة العربية، وخصوصاً منذ عام 2011، إذ سعى أعداؤنا إلى استخدام حروب المصطلحات وتأجيجها والمراوغة في استخدامها منذ الأيام الأولى للحرب على سورية عبر الفضائيات الناطقة بالعربية ومواقع الشابكة(الإنترنت)، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد نبَّه السيد الرئيس بشار الأسد في مستهل هذه الحرب إلى خطورة المصطلحات التي يروّجها أعداء سورية، وسعى الرئيس الأسد في كلماته ولقاءاته الصحفية وأحاديثه مع مختلف الفعاليات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وبشكل حثيث ومنهجي للتصدي لها، وتوضيح أبعاد تلك المصطلحات والغاية من تسويقها غربياً.
ويكاد لا يخلو خطاب للرئيس الأسد عبر سنوات الحرب من إحالات نقدية للمصطلحات المعادية أو من صياغات سورية أصيلة لمصطلحات بديلة عنها توضح الحقوق والهوية الوطنية، وتحرص على كشف زيف المصطلح المعادي وإحلال مصطلح عربي سوري بديل محله، وهي حالة نادرة وفريدة على هذا الصعيد الذي بات هماً رئاسياً يسجل للرئيس الأسد في إضافة وإغناء الشأن السياسي في علم المصطلح السياسي وتفكيكه وصناعته.
هذا النشاط النوعي والمهم استحوذ اهتمام الكتاب والباحثين والمحللين السياسيين للوقوف عند هذه الإضافة الغنية في تناول المصطلحات في كلمات وخطب السيد الرئيس بشار الأسد، والإبحار في طبيعة المنهج في خضم التصدي لحرب المصطلحات والتعابير التي يسوقها أعداء سورية والأمة العربية.
ضمن هذا الاهتمام صدر كتاب بعنوان (مدخل إلى حرب المصطلحات – سورية وفلسطين والعروبة أنموذجاً) للباحث الدكتور إبراهيم ناجي علوش ، وهو إصدار مشترك عن اتحاد الكتاب العرب في سورية ومؤسسة أرض الشام، ضمن سلسلة الدراسات 2023، ويقع 140 صفحة من القطع المتوسط.
وأشار الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب في تقديم الكتاب، إلى أن الساسة الغربيين هم أول من روَّج لحرب المصطلحات هذا النوع الخطير من الحروب، ويأتي على رأسهم “ويلسون تارجرد” رئيس الوزراء البريطاني الأسبق أثناء الحرب العالمية الثانية، ومازالت مقولته الشهيرة حاضرة وبقوة عند الساسة الغربيين وفي إعلامهم: “إن أول ضحية في أي حرب هي الحقيقة.. هذه الحرب هي حرب المصطلحات والمفاهيم قبل أن تكون حرباً نفسياً”.
وهو ما دفع الفيلسوف الفرنسي (جان بول سارتر) إلى القول:” الكلمة ليست نسيماً عليلاً يداعب مخيلاتنا وعقولنا دون أن يؤثر فيها، ولكن الكلمة هي مسدسات محشوة قد تحمي الخير أو تجهز عليه”.
أهمية الكتاب أنه يتناول في فصوله الثاني والثالث والرابع المصطلحات في فكر السيد الرئيس بشار الأسد وكيف قدم خلالها تعاريف سياسية وفكرية وثقافية للمصطلحات التي أراد الغرب تسويقها في عالمنا المعاصر بطرق متلاعبة لتشويه صورة قضايانا وحقوقنا، أو لتعزيز رؤيته الخاصة المسيطرة على الإعلام العالمي.
لقد حرص الرئيس الأسد على كشف زيف المصطلحات المعادية وتفنيدها وإحلال البديل العربي السوري.
يرصد الكتاب كلمات الرئيس الأسد في تفنيد مصطلحات الإعلام الغربي منذ بداية الحرب لاسيما في الفصل الثاني حول (الحرية والديمقراطية والإصلاح والثورة والربيع) وما يتعلق بالموجة الثانية من مصطلحات الحرب على سورية مثل” المسار السياسي – الحرب الأهلية وغيرها”، وكيف قام الرئيس الأسد بدحض زيف هذه المصطلحات التي تريد نشر الإشاعات المغرضة والأكاذيب والأضاليل الغربية وتسويقها في الشارع.
أكد الكتاب على أن الرئيس الأسد دحض المصطلحات المعادية من باب الأفكار والمفاهيم وتوضيحها وشرحها لا من باب المعلومات، وهو ما يتطلب وعي المفهوم ودحض المصطلح المزيف.
فمثلاً مصطلح الحل السياسي الذي يطرح من قبل الغرب ويدعمه يعني دفع سورية لقبول الحل وفق التصور المعادي الذي تتنازل عنه سورية عن حقوقها وتقبل بالاستسلام.
وفي الفصل الثالث ينتقل الكاتب إلى ما تناوله الرئيس الأسد بما يتعلق بتعاريف العروبة والقومية والوطنية ومصطلحاتها.
وفي الفصل الرابع والأخير يتطرق الكاتب إلى المعركة على جبهة المصطلحات في الصراع العربي الصهيوني، وهي قضية أساسية على جبهة المصطلحات في الصراع مع العدو الذي يحاول منذ أمد بعيد غزو العقول والقلوب لقلب المفاهيم والمواقف، ليفرض أمرٍ واقع يمرر مخططاته لاسيما مخططه التهويدي.
أهمية الكتاب تأتي من إضاءة الكاتب على دور الرئيس الأسد في إيلاء أهمية كبيرة لحرب المصطلحات في حربنا مع الأعداء، والتنبيه للأثر المدمِّر للمصطلح المخترق والدعوة إلى مواجهة ومقاومة المصطلحات الغريبة التي تهدف للتخريب الفكري المدمِّر للقيم والثوابت والانزلاق لحالة من الفوضى والدمار تحت ستار مصطلحات زائفة سيكون لها أثر عميق على التوازن النفسي والوطني لأجيال تتربى على الفوضى ورفض المؤسسات وتساعد على ضرب الاستقرار.
ومن هنا نرى أن حرب المصطلحات تمتلك أهمية كبيرة في تشكيل الرأي العام والتأثير في السياسات والقرارات، ويُمكن لطرف واحد أو عدة أطراف تنظيم حملات استخدام المصطلحات بشكل استراتيجي لتحقيق أهدافهم، سواء أكان ذلك لصالحهم أو لصالح طرف آخر، أو للتأثير في الرأي العام بشكل عام، يتضمن ذلك اختيار المصطلحات المناسبة، وتكرارها بشكل مستمر، وربطها بالقضايا الحساسة، واستخدامها لإلصاق العلامات بالآخرين أو تشويه صورتهم، وتغيير الأفكار والمعتقدات، ما يتطلب من مؤسساتنا الإعلامية والتربوية والتعليمية والسياسية استثمار الأفكار السديدة للرئيس الأسد في هذا المجال الهام من حرب المصطلحات والارتقاء بأجيالنا للتقدم والوعي بالمفاهيم وتكوين الفكر القادر على التمييز بين الغث والسمين بما يصون فكرهم ويفتح لهم آفاق امتلاك ناصية المعرفة والعلم واستشراف آفاق المستقبل الزاهر.