“نوستالجيا”

(نوستالجيا) كلمة يضمها الشعور، وينطق بها الإحساس قبل الحروف.. إنه الحنين الذي يخطف إليه سواء أكان لأناسٍ لهم في القلب مكانة، أم لمكان له في الذاكرة حضور لا يخبو وهجه، أم إلى ماضٍ ترك في النفس أثراً كنقطة علّام.
إنه الحنين.. ولا أسميه ألم العودة إلى ما كان في الماضي، سواء أكان بعيداً في الزمن أم قريباً، بل إنه ذلك الشعور الذي يرف في خلجات النفس بالشوق لما يحبه المرء، بعد أن سكن فيها على توالي الأيام. فالمرء لا ينقطع عن ماضيه في الذاكرة ولو غرَّبته ظروفه وأيامه، وكذلك هو حال الشعوب والأقوام. وما ارتباطنا بالأماكن والأشخاص والأحداث سوى نبض من حنين يجعلنا نبحث عنهم من جديد، ونتوق إلى اللقاء عساه يكون عن جديد. إنها تلك اللحظات السعيدة المفعمة بالمشاعر التي يفر إليها أحدنا، وقد تملكه الشوق لاستعادتها، وذلك أكثر ما يتجلى من خلال الفن في اللحن، أو في الرسم، أو في الكلمة.
وسواء أكان الواقع مراً أم سعيداً فإن الحنين موجود لدى كل واحد منا وفي كل أحواله، قد تختلف ذبذباته بين وقت وآخر، أو شخص وآخر، إلا أنه قائم في النفوس كغافٍ يصحو فجأة من غفوته من دون أن يعرف مَنْ أيقظه.
ألا يحن أحدنا إلى البيت الذي احتضن طفولته، وإلى وجه الأم، وإلى دهشة الخطوات الأولى في درب الحياة؟.. أجل فكلنا نشعر بهذا.. إلا أن كلمة (نوستالجيا)، أو (الحنين) هي أكثر ما ارتبطت به في الأذهان هو الوطن، لأنه دفء الأمان والطمأنينة والسلام.
وما الأدب سوى الحنين إلى بدء الكلمة المنطوقة والمكتوبة، وما عودته إلى التاريخ سوى استرجاع لما سجله في سِفره.. والماضي يوقظه الحاضر في إطار من (النوستالجيا) يؤطره. وما رواية (آلة الزمن) لمؤلفها (هربرت جورج ويلز) التي صدرت قبل أكثر من مئة عام حول فكرة السفر عبر الزمن سواء إلى الأمام أم إلى الخلف إلا أفضل نموذج للتعبير عن حنين الذاكرة الجمعية للبشر، وذلك التوق الغامض إما للعودة إلى الوراء، إلى أزمان لم يكونوا فيها مادامت هناك آلة تستطيع حملهم إليها، أو إلى السفر لأزمان قادمة لن يكونوا فيها، لكنهم يحلمون بأن يسافروا إليها. وما العودة إلى المسرح في زمن الشاشات الرقمية سوى الحنين إلى المكان الأول الذي عرف الإنسان فيه التمثيل على خشبته.
وها هي الأعمال الأدبية المعاصرة أصبحت تسترجع عبر الرواية، والقصة، والشعر، والمسرح، وينضم إليها أيضاً الرسم التشكيلي، والنص الدرامي، وأفلام السينما، أقول إنها جميعاً تسترجع أحداثاً مؤثرة، ومفاصل في التاريخ قديمه وجديده تحمل تجارب حياتية، لتعمل على إحيائها في الأذهان.. وهذا بدوره يعكس ثقافة المجتمعات وتراثها، وما يرسخ في الذاكرة منها.. وما العودة إلى الفلكلور والموروث الشعبي في الحكاية، أو اللحن والغناء، والاحتفاء به، وإحياء طقوسه سوى نبض من ذلك الحنين كشعور جماعي لا يقتصر على الأفراد.
لقد ارتبط مفهوم الحنين، أو النوستالجيا بشكل وثيق بالأدب، والفن كمصدر إلهام يتم التعبير عنه بأساليب مختلفة من خلال الأحداث، والشخصيات والأماكن التي سكنت الماضي، وقد تجلى ذلك في كثير من القصص والروايات، وما كلمة الأمس إذا ما ترددت إلا أكبر دليل على عودة ذلك الماضي الذي لا يزال قادراً على إثراء الأعمال الأدبية والفنية، وجعلها أكثر انتماءً وارتباطاً بالواقع المعيش وإسقاطاً له.. فالماضي ليس زمناً ضائعاً هارب اللحظات والأيام.
ويظل مفهوم الحنين واسعاً لا يؤطره شيء فهو للوطن انتماء وهوية، وهو للتراث إحياء للثقافة، والفكر وما أبدعه، وهو للمكان تخليد لتفاصيل بنائه، وللذكريات استرجاع لها في استفادةٍ منها وتحويلٍ لها لطاقة إيجابية، وللعواطف حرارة تعكس الأشواق، وتزيد من روابطها وقيمتها.
حالة خاصة قد تأخذنا من واقعنا إذا ما اتقدت لتذهب بنا إلى أوقات اختفت من حياتنا، لكنها ظلت عالقة في الذاكرة فنعيشها ثانية من جديد بملء الشوق والتوق.. إلا أن للحنين جانباً مظلماً إذا ما جرفنا معه بعيداً تحول إلى وحش يأكل الأعماق.

آخر الأخبار
40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد دمشق منفتحة على التعاون مع "الطاقة الذرية" والوكالة مستعدة لتعاون نووي سلمي حركة تسوق نشطة في أسواق السويداء وانخفاض بأسعار السلع معوقات تواجه الواقع التربوي والتعليمي في السلمية وريفها افتتاح مخبز الكرامة 2 باللاذقية بطاقة إنتاجية تصل لعشرة أطنان يومياً قوانين التغيير.. هل تعزز جودة الحياة بالرضا والاستقرار..؟ المنتجات منتهية الصلاحية تحت المجهر... والمطالبة برقابة صارمة على الواردات الصين تدخل الاستثمار الصناعي في سوريا عبر عدرا وحسياء منغصات تعكر فرحة الأطفال والأهل بالعيد تسويق 564 طن قمح في درعا أردوغان: ستنعم سوريا بالسلام الدائم بدعم من الدول الشقيقة تعزيز معرفة ومهارات ٤٠٠ جامعي بالأمن السيبراني ضيافة العيد خجولة.. تجاوزات تشهدها الأسواق.. وحلويات البسطات أكثر رأفة عيد الأضحى في فرنسا.. عيد النصر السوري قراءة حقوقية في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية "الثورة" تشارك "حماية المستهلك" في جولة على أسواق دمشق مخالفات سعرية وحركة بيع خفيفة  تسوق محدود عشية العيد بحلب.. إقبال على الضيافة وتراجع في الألبسة منع الدراجات النارية بحلب.. يثير جدلاً بين مؤيد ومعارض!