الثورة:
بمناسبة انطلاق مهرجان “قطاف الوردة الشامية” في قرية المراح بريف دمشق، الذي تقيمه الأمانة السورية للتنمية، ومحافظة ريف دمشق، نشير إلى أن الورود الشامية برزت في بعض لوحات فنانينا، منذ بدايات تشكل الفن التشكيلي السوري، وخاصة في لوحات دمشق القديمة المرسومة من الداخل والخارج معاً.
ومع بدايات ظهور تيارات الحداثة التشكيلية ـ لما بعد الانطباعية، برز تحوّل في صياغة موضوعات الورود الشامية على الصعيد التقني، من التركيز لإظهار الدقة والنمنمة التفصيلية، إلى طريقة الرسم بلمسات عفوية وتلقائية وسريعة تقتنص ضوء المكان بسرعة خاطفة، إذ ركز العديد من فنانينا المحدثين، لإبراز الورود الشامية، وأجواء الحارات والبيوت الشعبية القديمة، بصياغة مبسطة وبعيدة عن التسجيلية، وضمن رؤية متفاوتة ما بين الواقعية والانطباعية والتعبيرية وصولاً إلى السوريالية ومروراً بالرمزية، مؤكدين حضور المرأة السورية إلى جانب الورود الشامية بكل أشكالها وتدرجات ألوانها.
ولقد جسد الفنان الراحل نذير نبعة عناصر المرأة، وهي محاطة بالورود الجورية الدمشقية، وكانت جدارياته ولوحاته، قادرة على استعادة فردوس مدينة قديمة تكتنز حدائقها بالورود والياسمين والنارنج والأضاليا والمنثور، إضافة لإستعادة (الأزياء التقليدية، الصدفيات، الزجاجيات والأواني المزخرفة، الجواهر والحلي ..) وكل ذلك في خطوات إعادة الاعتبار إلى معطيات التراث الفلكلوري والشعبي، الذي يتعرض للزوال والاندثار.
وكان الفنان الراحل محمد علي الحمصي مغرماً إلى أبعد الحدود بالأزهار والورود الشامية التي استعادها في معظم لوحاته، والتي جسد فيها إيقاعات العمارة الدمشقية القديمة، ونوافدها المشرعة على النور، وهذه الأشياء لا نجدها أبداً في المدينة الحديثة، ولهذا كان يلجأ إلى تسجيل ما تبقى من معالم دمشقية في لوحاته التشكيلية الحديثة.
هكذا اندمج مع طروحات التواصل مع التراث كبعد حضاري، وكان يستعرض في لوحاته قبل أي شيء آخر (أحواض الورود والنباتات الشامية) ويقوم بتركيب عناصر مختلفة في اللوحة الواحدة ( معمارية ونباتية وإنسانية ) ويحمل مفرداته التشكيلية نكهة الأمكنة الحميمية المترسخة في الذاكرة والوجدان.
وعلى الصعيد الأسلوبي والتقني وصلت ألوانه إلى حالات تتفاوت بين الشفافية والكثافة وبين الوهج والقتامة ووقعت ما بين الصياغة الهندسية (التي تتكشف عبر الإيقاعات العمودية والأفقية التي تحدد شكل البيت) والصياغة العاطفية المنفلتة من الرزانة الهندسية التي جسد من خلالها الحالة الشعرية والعفوية للمشهد.
فإذا تطلعنا إلى لوحاته لا تنطبع في أعيننا غير إيقاعات لونية بصرية، إذ تتحول الورود الجورية وأوراقها إلى تآليف لونية أو لمسات لونية عفوية فيها الطرب الإيقاعي الموسيقي والتنويع العاطفي والوجداني. والحديث عن الفنانين السوريين الذين جسدوا الورود الشامية لا ينتهي، وهنا قدمت أنموذجين على سبيل المثال لا الحصر .