الملحق الثقافي- د. ياسر صَيرفي:
إنَّ عبارةَ « الهويَّةِ والانتماءِ « عبارةٌ فضفاضةٌ تحملُ دلالاتٍ وتشعّباتٍ كثيرةً؛ منها ما له علاقةٌ بالارتباطِ بالوطنِ، ومنها ما يرتبطُ بالثقافةِ، ومنها ما يلامسُ اللّباسَ والطعامَ والعاداتِ والتقاليدَ وغيرها من الأمورِ التي لا يضعُها كثيرون في الحَسبانِ.
ولا شكَّ في أنّنا معَ هذا السّباقِ السّريعِ في عالمِ التطوّرِ والعَولمةِ مدعوّون دعوةَ الوفاءِ والواجبِ لإيجادِ مُقارباتٍ بينَ التّماشي معَ هذا التطوّرِ من جهةٍ، والوفاءِ لقيمِ تاريخِنا وهويّتِنا وانتمائِنا من جهةٍ أخرى، فالهويّةُ العربيّةُ والانتماءُ يتعرّضان اليومَ لجرحِ خروقاتِ الثقافةِ الأجنبيّةِ التي اجتاحتْهُما، وهما بحاجةٍ إلى الالتئام؛ كي نسدَّ الطريقَ أمامَ ما يهدّدُ هويّتَنا وثقافتَنا إلى حدٍّ كبيرٍ، فما تضخُّه الثقافاتُ الأخرى مؤشّرٌ مُخيفٌ يهدّد الهويّة؛َ لعدمِ القدرةِ على احتوائِه، فضلاًعن أنّه يحتاجُ إلى فَلْتَرةٍ حقيقيّةٍ وواعيةٍ لنأخذَ منه ما يوائمُ كيانَنا وشخصيَّتَنا، وننبذَ ما يشوّهُها ويحاربُها بشكلِه الباهرِ الجذّابِ الذي سيطرَعلى كثيرٍ من العقولِ.
وأمامَ ثقافةِ الآخرِ الأجنبيّةِ الاستهلاكيّةِ التي غزتْ عقولَ الناشئةِ على وَجْهِ الخُصوصِ عن طريق الشابكةِ – وبكلِّ صيغِها التي لا مفرّ منها – لابدَّ من إرساءِ دعائمِ الهويّةِ العربيّةِ التي هي صورةٌ للواقعِ العربيِّ في رقيِّهِ أو تَقَهْقُرهِ، وذلك بإرساءِ الفكرِ والإبداعِ على صفحةِ الواقعِ؛ لأنّ «الإبداعَ الفكريَّ والانتماءَ للهويّةِ توْءَمان» كلٌّ منهما يشيرُ إلى الآخرِ ويعقدُ معَه علاقةَ وَجودٍ، وأهمُّ مساربِ الإبداعِ والفكرِ التي تدعمُ الهويّةَ والانتماءَ: (الدّينُ، واللّغةُ العربيّةُ، والعاداتُ)، فنحنُ عن طريقِ الدّينِ نرسِّخُ معنى اللُّحمةِ والانتماءِ للأمَّةِ بالاعتصامِ بحبلِ اللهِ الواحدِ الذي حثّنا عليه دينُنا الحنيفُ، ونرسّخه عن طريقِ اللّغةِ العربيّةِ التي لم تعدْ قاصرةً على وصفِها لغةَ كتابةٍ أو حوارٍ بل هي وسيلةُ إبداعٍ وعلامةٌ فارقةٌ لانتمائِنا إلى العروبةِ، وفي مجال العاداتِ والتقاليدِ فعلينا أن نحافظَ على عاداتِنا الأصيلةِ التي أتتْنا تواتراً عن أجدادِنا ولا ننساقَ وراءَ ترّهاتِ الغربِ المقيتةِ، وبهذا نكون أوفياءَ لهويتِنا أوفياءَ لانتمائِنا.
العدد 1146 – 6-6-2023