الثورة – عبد الحميد غانم:
هناك قول لعالم الاجتماع الألماني فريدريك إنجلز (1820-1895) في عام1847: “لا يمكن لأمة أن تبقى حرة، وفي الوقت نفسه تستمر في قمع الأمم الأخرى”.
ما يحدث اليوم في العالم بشكل عام، وفي أوروبا بشكل خاص، هو أمر غير مفهوم لجزء كبير من الرأي العام الغربي، فقد انخرطت أوروبا في حرب ليست حربها، حرب ليست مثل أي حرب أخرى، كان من الأفضل ألا تحدث، حرب تريد الليبرالية الحديثة (الأمة الغربية الأميركية والأوروبية) أن تفني الأمم الأخرى التي تعارضها.
يبدو السؤال هنا هل أن لغة العقل والحكمة كانت حاضرة لدى الساسة الأوروبيين حين تورطوا مع أميركا في هذه الحرب، أو بالأحرى ورطتهم السياسات الأميركية؟.
على الأغلب لم تكن حاضرة، فالكثير من الصحفيين الشجعان والمحللين المشهورين ورجال الأدب والثقافة والسياسيين في أوروبا ومنهم من زار المنطقة، يقضون أيامهم وهم يحذرون ساستهم من أن حرباً عالمية ثالثة ممكنة قد تحدث خلال الركض وراء السياسة الأميركية في إشعال نار الحرب الأوكرانية ووراء شعارات – في حال استمرارها – تؤدي إلى فناء أوروبا وأميركا وربما العالم، إذ أفسحت هذه السياسة المجال أمام صوت المدافع، والعناد المميت، والمنطق الاقتصادي والمالي الهمجي، لجنون بعض القادة الذين وضعوا أنفسهم فوق مصالح شعوبهم.
يرى البعض أن ما يحدث في العالم اليوم، معركة بين الخير والشر، كل هذه النظريات معقولة إنسانياً ونظرياً، لكن عملياً هل تساءل حول توصيف من هو صاحب الخير ومن هو المذنب؟. إن معظم سياسات الغرب التي تحدث اليوم تهدد بفناء البشرية جمعاء، فأين الخير فيها؟.
تلك السياسة الغربية الأميركية أصبحت تعاني مرض الأنا الغربية، وصارت حكراً على السلطات السياسية الأوروبية هذه الأيام، والتي صارت مهووسة بسياسة القتل وارتداء ثوب الرداءة والكراهية والظلم والاستبداد، إذ تسعى الليبرالية الحديثة التي أنتجتها سياسات الغرب إلى أن يكون الإنسان مثل الكائن الذي يجرّد من كل شيء سوى غرائزه، ويحوله إلى حالة روبوتية، يسعد بفردانية مريضة، وهو ما تعكسه السياسات الغربية وغايات الحروب التي تشعلها وتريد من شعوبها تأييدها والسير خلفها دون أن تفسح المجال للعقل والحكمة والحلول الرشيدة.
الأوروبيون وزعوا الكثير من الأفكار حول إقامة الديمقراطيات والحريات والعدالة الاجتماعية بالاستناد إلى تراثهم الفكري السياسي، لكن ما نراه اليوم مع الأسف، أنهم فقدوا لغة العقل منذ التحول إلى سياسات الاستعمار والاحتلال في عشرينات القرن الماضي وخلال الحربين العالميتين وإلى الآن، حيث لا تزال نزعة الاحتلال والاستعمار مستمرة في توجهاتهم وتعاطيهم مع قضايا منطقتنا والعالم، وتصنيف من يعارض مشروعهم العدواني الاستبدادي والاستعماري، وبرأيهم يجب أن ينال عقاباً من اختيارهم.
هذا أمر خطير، لأن تصعيد مثل الحرب أو الانفجار الذري المنتظر وراء ذلك التهديد، الذي هو برأيي أنه منتظر وموجود ومخاطره ماثلة بالفعل في أذهان الكثيرين، والذي يؤدي إلى توليد السخط والشك والخوف والقلق وكذلك الارتباك العام في العالم مما يعطل مشروعات التنمية والتطور ووسائل الارتقاء بالمجتمعات اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً.
إذا كان الغرب يرى أن الانفجار هو الحل لحرب أوكرانيا، انفجار ذري أو انفجار تسليحي، فكيف ستكون تداعياته؟ ماذا سيفعلون لمحاولة إيقافه ومنعه، وهل يملكون مفاتيح الحل بحال وقع الفأس بالرأس .
فالثرثرة الغربية المتواصلة في عصر الرداءة لن تنفعها ندامة المعسكر الغربي وتحسره على ما سيقع، فالخسارة لن تدمر أوكرانيا فحسب، بل ربما العالم الغربي بأسره.
إنه أمر مخيب لآمال الإنسان الأوروبي الذي أعطى في العصر الحديث فكراً بات اليوم حبراً على ورق.
اختم بقول للدبلوماسي والمؤرخ الأمريكي جورج ف. كينان (1904-2005) في عام 1987: “إذا اختفى الاتحاد السوفييتي تحت مياه المحيط غداً، فإن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي سيبقى على حاله تقريباً، إلى أن يتم اختراع خصم آخر، وخلافاً لذلك، ستنشأ صدمة غير مقبولة للاقتصاد الأمريكي”.
فالأهداف الاستعمارية والعدوانية مستمرة في اختلاق الوسائل والأدوات للهيمنة والسيطرة ولن تتوقف عند حدود.
السابق