(أحبك) كلمة مجنونة، ومجنحة بآنٍ معاً.. وبجناحيها القويين تستطيع أن تحلّق بالمرء فوق السحاب، وأعلى من قمم الجبال.. ومن أربعة حروف فقط صيغت كلمة المرور إلى قلوبنا جميعاً.. وسواء نُطقت للحبيب أو الحبيبة، أو لأصدقاء الحياة، أو لزملاء العمل، أو لأي شخص كان فإن لها سحرها الخاص الذي يفعل فعله في القلوب، والنفوس، وفي الارتقاء بالعلاقات الاجتماعية، والعاطفية بين الناس لأنها الكلمة الأكثر تأثيراً في كل لغات العالم، وما تشعّ به من المعاني التي تنعكس إيجابية على المشاعر الإنسانية ما يجعل منها نقطة التقاء القارات بل والمجرات، ودروب الأكوان.
وعلاقات الحب لا تقتصر على البشر بين بعضهم بعضاً فقط بل تتعداها لتصل إلى موجودات الطبيعة من نبات، وحيوان، وحجر، ومكان.. إنها تلك الطاقة المتبادلة التي تسري بين المخلوقات، أو إنها (طاقة الحب) التي تربط بين البشر وما على الأرض من حولهم، وهي تعتبر من القيم الأساسية في العديد من الثقافات لما للحب من أهمية في خلق روابط حقيقية، صحية، وعميقة بين طرفين في معادلة واحدة.
إلا أن الجناحين القويين سوف يتحطمان إذا ما خانت الأفعال عبارات الحب.. والمثل الإنكليزي يقول: الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات.. وكلمة المرور التي ألهبت المشاعر في وقت ما سرعان ما تنطفئ شعلتها إذا ما غاب الاهتمام، ولم تعد الأفعال تثبت للمحبوب أنه ما زال يحتفظ بمكانته لدى مَنْ أسمعه كلمة (أحبك).
أما القلوب فهي رقيقة، ورهيفة كالزجاج، وإذا ما كُسرت فكما يقال: كسرها لا يجبر.. قد يذوب المرء في ضوع الكلمات وهو يفتح قلبه لعذوبتها، فينسى أن يلتفت إلى الأفعال حتى لا ينكسر القلب، وحتى يعرف عصفور الحب الخافق بين الضلوع فوق أي غصن سيهدأ، ويطمئن. فإذا بالتجربة في نهاية مطافها تفشل، ويجرح صاحبها زجاجها المكسور.. بينما هو يلوم نفسه أنه اقترف حماقة حب عندما أصغى لصوت الكلمات لا لصوت الأفعال.
يقول (إيريك سيغال) صاحب رواية (قصة حب) عبارته الشهيرة: “الحب هو ألا يكون لنا أبداً أن نقول إننا آسفون”.. إذ بماذا سيفيد الأسف عندما يقع الخطأ؟ ومن المفترض أن مَنْ يحب شخصاً، أو مكاناً كالوطن مثلاً فإنه من حيث المبدأ لا يخطئ بحقه، ولا يضطر بالتالي لأن يبدي له أسفه، واعتذاره، فالحب هو عطاء، وأمان، وثقة، واهتمام، واحترام، وسبب للسعادة.
إن عبارات الحب ليست مجرد كلمات تقال، وجوهر معناه لا يكتمل دون التعبير عنه بأبرز مظاهر الحب من رعاية، ومن عطف، وحنان، وما يولدانه من شغف، ولهفة ليصبح عندئذ إعلان الحب كاملاً، ومكتملاً.
صحيح أن التعبير عن الحب سواء أكان للأشخاص، أم للأماكن، أم للأشياء يختلف من شخص لآخر تبعاً لبنية شخصيته، وتركيبته العاطفية، وتبعاً أيضاً لنوع العلاقة التي تربط بين الطرفين.. إلا أن من العلاقات الإنسانية العاطفية كالأمومة، والأبوة على حد سواء ما هو واضح الملامح على الدوام، مكتمل المعنى قولاً، وفعلاً.
إنها مجرد كلمة تُختصر بأربعة حروف لكنها تنطوي على معانٍ لا تحدها حدود، متسعة الدوائر التي تتلاقى أحياناً، وتتقاطع في أحيانٍ أخرى.. كلمة لابد أن تستخدم بحذر لتظل نابضة بمعناها الأزلي الذي يضبط إيقاع القلوب، ولأنها سر الروابط الحقيقية بين الناس، وسر جودة الحياة لما تستطيع أن تخلقه من مشاعر إيجابية لدى الآخرين، والفعل على الدوام يثبت صدقها، وعمقها، وديمومتها.
وكلمة (أحبك) هذه دون ركائزها لا تكفي عندما تقف بمفردها بلا فعل يؤكدها ذلك لأنها قد تتحول من وقت لآخر إلى عبارة: (أنا لم أعد أحبك).