الثورة _ فردوس دياب:
تجمهر الأهل أمام مراكز الامتحانات، ظاهرة تعكس خوف الأهل وقلقهم وتوترهم وخوفهم على أبنائهم أكثر من الأبناء أنفسهم، لكن السؤال الأهم والأعمق حول هذا الموضوع ، هل أسباب هذه الظاهرة تتوقف عند الخوف والقلق والتوتر على أبنائهم فقط؟، أم أن الأمر يتجاوز في أبعاده هذه الأسباب ليطال العملية الامتحانية بشكل خاص، والآلية التعليمية على وجه العموم ..هذا السؤال حملناه الى الدكتورة نسرين موشلي الأستاذة في كلية التربية بجامعة دمشق وعضو الهيئة التدريسية بقسم أصول التربية، لعلنا نصل الى إجابة واضحة نستطيع من خلالها تشخيص ومعرفة الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة، وصولاً إلى محاولة المساعدة في علاجها من قبل المعنيين بالأمر، لكن قبل ذلك التقت « الثورة» بعض أهالي الطلاب الذين رافقوا أبناءهم إلى مراكز الامتحانات وانتظروهم على الأرصفة وفي الشوارع حتى انتهوا من امتحاناهم، لمعرفة الأسباب التي دفعتهم لمرافقة أبنائهم إلى الامتحانات.
دعم نفسي
السيدة عفاف الحلبي ( رافقت ابنها لتقديم امتحانات الشهادة الثانوية) من أجل تقديم الدعم النفسي له وإزالة آثار الخوف والرهبة عنده، أما السيدة أمل المحمد فقالت بدورها :إنها ترافق ابنها إلى الامتحانات بسبب الهاجس المخيف الذي تلقيه الامتحانات على الطلاب والأهل في آن معاً، وأضافت وقد بدا التعب والإرهاق واضحاً على وجهها أن الخوف من الامتحانات كان منذ زمن يؤثر على التلاميذ والطلاب فقط، أما الآن فقد بات يؤثر على الأهل أيضاً، وهذا يعود إلى صعوبة وكثافة المنهاج، وكذلك إلى عدم اهتمام الطلاب بالدراسة والعلم بعد تسلل وسائل التواصل الاجتماعي إلى كلّ تفاصيل حياتنا والتي قلبت الأمور رأساً على عقب، وكذلك بسبب المصاريف والأعباء المادية الكبيرة التي يتكلف بها الأهل على أبنائهم من دروس خصوصية ودورات ومعاهد وغيرها، ما زاد من خوف وتوتر الأهل والأبناء من عدم تحقيق النجاح والتفوق.
ضاعفت توتر الأهل
بدوره قال مهند القديمي ( رافق ابنته طالبة الشهادة الإعدادية) :إن مشكلة الخوف من الامتحانات هي أمر طبيعي، لكنها باتت غير معقولة في ظلّ الظروف الصعبة التي نعيشها نحن كسوريين، والتي أثرت كثيراً على حياتنا، ومنها العملية التعليمية وآلية تقديم الامتحانات، بالإضافة إلى صعوبة وكثافة المناهج التي زادت من توتر وخوف الأبناء والأهل، فكثير من الأهل غير قادرين على دفع تكاليف الدروس الخصوصية والدورات، لذلك تتضاعف مخاوفهم أكثر من غيرهم.
أما السيدة أم مصطفى فأوضحت بدورها أن سبب مرافقتها لابنتها يعود إلى خوفها عليها أن تتأخر على الامتحان أو يحصل لها مكروه في الطريق أو أثناء أو بعد الامتحانات، خاصة عندما تكون الأسئلة صعبة لا تستطيع حلها.
تقرير مصير
الدكتورة نسرين موشلي الأستاذة في كلية التربية بجامعة دمشق أكدت في مستهل حديثها أن الامتحان هو مصدر قلق للطلاب والأهل، ويسبب لهم التوتر والخوف والقلق لكونه يعتبر بالنسبة لهم ولأبنائهم بمثابة تقرير مصير، لاسيما في مرحلة الشهادات الإعدادية و الثانوية .
وبينت أن هذا الأمر أي (توصيل الأبناء إلى مراكزهم الامتحانية وانتظارهم لحين انتهائهم من الامتحان)، لا يعدو في كونه إلا مجرد عادة انتشرت بين أهالي الطلبة، وأصبح هذا المشهد يتكرر سنوياً ويزداد إلى أن أصبح ظاهرة ، حيث بات الأهل ينتظرون أبنائهم أمام المراكز الامتحانية لساعات وهم يشعرون بالخوف والتوتر والإرهاق، ولا يكاد يسمع لهم صوت حتى ينتهي أبناؤهم من الامتحانات حيث يسارعون إلى الاطمئنان على وضعهم.
القرب منهم
وإن أردنا تفسير هذه الظاهرة اجتماعياً، تقول الدكتورة موشلي :إن أساسها هو خوف الأهل على الأبناء، سواء من التأخر في الوصول إلى المراكز الامتحانية، أو من أن يحصل لهم مكروه أثناء الامتحانات أو بعدها لذلك يفضلون أن يكونوا بالقرب منهم وينتظروهم أمام المراكز الامتحانية أفضل من أن ينتظروهم في المنزل وقد تضاعف عندهم التوتر والخوف, وبينت أن وجود الأهل مع أبنائهم في هذه اللحظات من شأنه أن يقدّم لهم الدعم النفسي ويرفع من هممهم ويشحذها ويعطيهم الحافز ويكسر حاجز الخوف لديهم ولو قليلاً، ذلك أنه بمجرد إحساس الطالب أن هناك من يدعمه ويقف معه وينتظر نجاحه فإن خوفه وتوتره قد يتضاءل ويختفي.
العملية التعليمية
وأكدت أنه قد يكون هناك أسباب كامنة خلف هذه الظاهرة تتعلق بالعملية التعليمية والامتحانية، أسباب تلتقي وتنطلق من أن الامتحان يشكل رهاباً لدى الكثير من الأهل والطلاب كونه يقرر المصير بعد جهد وتعب من قبل الأهل والأبناء, ويضاف إلى ذلك طريقة حصول الطلاب على المعلومات والدروس وكذلك كثافة المنهاج وصعوبة الأسئلة، فكل تلك الأسباب تدفع الأهل إلى الوقوف بجانب أبنائهم ولو خلف أسوار المدارس كداعم لهم، لأنهم بنوا بحسب الدكتورة موشلي تصوراً مسبقاً لأن أبناءهم تلقوا معلومات كثيرة وكثيفة وعانوا من ضغوطات فهمها واستحفاظها وتخزينها، ثم الخوف من كون الأسئلة الامتحانية ستكون صعبة ربما .
